The Holy See
back up
Search
riga

سينودس الأساقفة
الجمعيَّة العامَّة الثانية عشرة العاديَّة

كلام الله
في حياة الكنيسة ورسالتها
- الخطوط العريضة -

الفهرس

توطئة
مقدِّمة لماذا سينودس حول كلام الله؟
أسئلة
الفصل الأوَّل: الوحي، كلام الله، الكنيسة
المبادرة تأتي من عند الله، ويتجلّى الوحي على أنَّه كلام الله
الإنسان يحتاج إلى الوحي
كلام الله يتداخل مع تاريخ الإنسان ويوجِّه طريقه
يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسِّد وملء الوحي
كلمة الله تشبه سمفونيَّة
إيمان الإنسان يتوافق مع كلام الله
مريم هي مثال المؤمن في تقبُّل الكلمة
كلام الله المسلَّم إلى الكنيسة، ينتقل إلى جميع الأجيال
التقليد والكتاب هما في الكنيسة المستودع المقدَّس لكلام الله
الكتاب المقدَّس هو كلام الله الموحى
تفسير كلام الله في الكنيسة، مهمَّة ضرورية ودقيقة
العهد القديم والعهد الجديد هما تدبير خلاصيّ وحيد
أسئلة
الفصل الثاني
كلام الله في حياة الكنيسة
الكنيسة تولَد من كلام الله وتحيا به
كلام الله يساند الكنيسة على مدِّ تاريخها
كلام الله يلج، بقوَّة الروح القدس، كلَّ حياة الكنيسة وينعشها
الكنيسة تغتذي من كلام الله بطرق مختلفة
أ‌- في الليتورجيّا وفي الصلاة
ب‌- في الأنجلة وفي الفقاهة
ت‌- في التأويل وفي اللاهوت
ث‌- في حياة المؤمن
أسئلة
الفصل الثالث
كلام الله في رسالة الكنيسة
تقوم رسالة الكنيسة في إعلان المسيح كلمة الله الذي صار بشرًا
كلام الله يكون في متناول الجميع وفي كلِّ زمان
كلام الله هو نعمة المشاركة بين المسيحيّين
كلام الله نور في الحوار بين الديانات.
أ‌- مع الشعب اليهوديّ
ب‌- مع سائر الديانات
كلام الله ضمير الحضارات المعاصرة
كلام الله وتاريخ البشر
أسئلة

خاتمة
تساؤلات


التوطئة

"حيٌّ هو كلام الله وفاعل، أمضى من كلِّ سيف له حدّان، ينفذ في الأعماق إلى ما بين النفس والروح والمفاصل وفخاخ العظام، ويحكم على خواطر القلب وأفكاره" (عب 4: 12).

إنَّ تاريخ الخلاص كلَّه يبيِّن أنَّ كلام الله حيّ؛ فالذي يبادر ويتجلّى هو الله، ينبوع الحياة (لو 20: 38). وهذا الكلام يتوجَّه إلى الإنسان الذي هو عمل يديه (أي 10: 3)، والذي خُلق حقًّا لكي يقدر أن يتجاوب معه، فيدخل في حوار مع خالقه. لهذا، فكلام الله يرافق الإنسان منذ الخلق حتّى نهاية حجّه على الأرض. وقد تجلّى في أشكال عديدة، فأدرك ذروته في سرِّ التجسُّد ، بفعل الروح القدس، حين "الكلمة صار بشرًا" (يو 1: 14)، إلهًا لدى الله، يسوع المسيح الذي مات وقام، وهو "الحيّ" (رؤ 1: 18)، ذاك الذي عنده كلام الحياة الأبديَّة (يو 6: 68).

كلام الله أمضى (من كلِّ سيف)، ينير حياة الإنسان، ويدلُّه على الطريق الواجب اتّباعه، ولا سيَّما عبر الوصايا العشر (خر 20: 1-26) التي أجملها يسوع في وصيَّة المحبَّة تجاه الله وتجاه القريب (مت 22: 37-40). والتطويبات (لو 6: 20-26) هي مثال الحياة المسيحيَّة المعاشة في الإصغاء إلى كلام الله الذي يتحرّى عواطف القلوب، ويوجِّهها نحو الخير، وينقّيها من كلِّ ما هو شرّ. وإذ يهب الله ذاته للإنسان الخاطئ، مع أنَّه مدعو إلى القداسة، فهو يحثُّه على تبديل سلوكه السيّئ؛ قال: "توبوا عن سوء سلوككم، واحفظوا وصاياي وشرائعي، بحسب كلِّ الشريعة التي فرضتُ على آبائكم، والتي وهبتُها لهم بواسطة خدمة عبيدي الأنبياء" (2مل 17: 13). وفي الإنجيل، أطلق الربُّ يسوع أيضًا النداء: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات" (مت 3: 2)؛ فكلام الله، بنعمة الروح القدس، يلامس قلب الخاطئ التائب، ويقوده من جديد إلى المشاركة مع الله في كنيسته. واهتداء الخاطئ هو علَّة فرح كبير في السماوات (لو 15: 7). فباسم الربِّ القائم من الموت، تواصل الكنيسة رسالتها في الكرازة بـ"غفران الخطايا... لجميع الأمم" (لو 24: 47). وإذ تكون خاضعة لكلام الله، تنطلق هي أيضًا في طريق التواضع والتوبة، لكي تكون دومًا أكثر أمانة ليسوع المسيح، عريسها وربِّها، وتعلن البشرى بمزيد من القوَّة والصدق.

كلام الله فاعل؛ هذا ما تبرهن عنه الأخبار الشخصيَّة، في حياة الآباء والأنبياء، كما في أخبار الشعب المختار في العهد القديم وفي العهد الجديد. وبطريقة فريدة ، يشهد على ذلك يسوع المسيح، كلمة الله، الذي صار بشرًا، "فأتى وسكن بيننا" (يو 1: 14). وهو يواصل عمله، فيعلن ملكوت الله ويشفي المرضى (لو 9: 2) عبر كنيسته، وهي تحقِّق عمل الخلاص بواسطة الكلمة والأسرار، ولا سيَّماسرّ الإفخارستيّا، الينبوع والذروة في حياة الكنيسة ورسالتها، إذ في الكنيسة تصبح كلمات التقديس بنعمة الروح القدس فاعلة، فتحوِّل الخبز إلى الجسد والخمر إلى دم ربِّنا يسوع (مت 26: 26-28؛ مر 14: 22-23؛ لو 22: 19-20). لهذا، فكلام الله هو ينبوع المشاركة بين الإنسان والله، وبين البشر الذين يحبُّهم الربّ.

والرباط الوثيق بين الإفخارستيّا وكلام الله، قد وجّه أيضًا اختيار موضوع الجمعيَّة العامَّة العاديَّة لسينودس الأساقفة القريبة، فثُبِّتَت الرغبة التي كانت حاضرة منذ زمن بعيد، بتكريس التفكير في كلام الله في إطار السينودس. وهكذا، بعد سينودس الأساقفة حول الإفخارستيّا، الينبوع والذروة في حياة الكنيسة ورسالتها، الذي انعقد من 2 حتى 23 تشرين الأوَّل سنة 2005، بدا منطقيًّا أن نركِّز الانتباه على كلام الله في حياة الكنيسة ورسالتها، فنعمِّق في ما بعد معنى المذبح الواحد للخبز والكلمة. وهذا الموضوع يعكس الرغبة الأولى لدى الكنائس الخاصَّة، كما عبَّر عنها رعاتُها الأساقفة. فاختيار موضوع اللقاء السينودسيّ القريب قد حُدِّد جماعيًّا. وبحسب الممارسة المختبَرة، كلَّف قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أمانة السرّ العامَّة لسينودس الأساقفة بأن تستشير في هذا المجال جميع الأساقفة في الكنيسة الكاثوليكيَّة. وصلت الأجوبة من الكنائس الشرقيَّة الكاثوليكيَّة ذات الحقّ الخاصّ، ومن المجالس الأسقفيَّة، ومن مؤسَّسات الكوريا الرومانيَّة، واتِّحاد الرؤساء العامّين، فاتَّضح أنَّ الموضوع المفضَّل هو كلام الله، مع تنويهات مختلفة، وتنوُّع كبير من الوجهات. وقد حُلِّلت الموادّ الوفيرة خلال الجلسة الحادية عشرة العاديَّة للأمانة العامَّة لسينودس الأساقفة، الذي يمثِّل الجماعة كلَّها في شكل من الأشكال. فقد اختير اثنا عشر عضوًا بواسطة زملائهم خلال الجلسة الحادية عشره العامَّة العاديَّة لسينودس الأساقفة. وبحسب ما يلحظ ترتيب سينودس الأساقفة، سمّى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر ثلاثة أعضاء من المجلس. جُمعت نتائج المناقشة الخصبة في المجلس العاديّ في ثلاثة موضوعات أخضعتها الأمانة العامَّة في ما بعد لقرار الحبر الأعظم.

والموضوع الذي اختاره الأب الأقدس، رئيس سينودس الأساقفة، نُشر في 6 تشرين الأوَّل سنة 2006. بعد ذلك، انكبَّ المجلس العاديّ للأمانة العامَّة على العمل من أجل تهيئة الخطوط العريضة، وهي وثيقة تتوخّى أن تقدِّم بإيجاز "وَضْعَ المسألة"( Status quaestionis) حول الطرح الهامّ لكلام الله، وأن تبيِّن الوجهات الإيجابيَّة في حياة الكنيسة ورسالتها، دون إخفاء بعض الوجهات التي تكوِّن مشكلة، أو أقلَّه تحتاج أن تُعَمَّق من أجل خير الكنيسة وحياتها في العالم. من أجل هذا تعود الخطوط العريضة مرارًا إلى الدستور العقائديّ في الوحي الإلهيّ، كلام الله، وتتبع بشكل خاصّ المقاربة التي اختارها آباء المجمع، والتي تقوم في موقف الإصغاء الدينيّ لكلام الله، لكي تستطيع، في ما بعد، أن تعلنه بجرأة (كلام الله، 1)، وإعادة قراءة كلام الله في إطار رعائيّ، ترافقه إعلانات متتالية من قبل السلطة التعليميَّة في الكنيسة، التي تهتمّ بتفسير وديعة الإيمان المقدَّسة، التي يتضمَّنها التقليد والكتاب المقدس، تفسيرًا صحيحًا.

وإذ أرادت الوثيقة أن تسهِّل التفكير في الموضوع ومناقشته على مستوى الكنيسة، أرفقته بجملة أسئلة مفصَّلة وعائدة إلى الطروحات التي تعالجها الفصولُ المختلفة. فجميع المؤسَّسات المجمعيَّة التي سُمِّيت سابقًا، قد طُلب منها أن تودع أجوبتها على هذه الأسئلة قبل شهر تشرين الثاني سنة 2007. ويستعين المجلس العاديّ بخبراء أخصّائيّين عديدين، فيدرس الوثائق، ويرتِّب المواضيع في وثيقة ثانية تدعى ورقة عمل، تُتَّخذ كجدول لأعمال الجمعيَّة العامَّة العاديَة الثانية عشرة لسينودس الأساقفة، التي تنعقد، إن شاء الله، من 5 إلى 26 تشرين الأوَّل 2008.

منذ البدايات، عاشت الكنيسة من كلام الله؛ ففي المسيح، الكلمة المتجسِّد بفعل الروح القدس، الكنيسة هي "مثل سرّ أو، إذا شئنا، علامة ووسيلة لتحقيق الاتِّحاد الحميم مع الله، ووحدة الجنس البشريّ كلّه" (نور الأمم، 1). وكلام الله هو أيضًا المحرِّك الذي لا ينفد لرسالة الكنيسة لدى القريبين كما لدى البعيدين. وإذ تخضع الكنيسة لتفويض الربِّ يسوع، وتجعل ثقتها في قوَّة الروح القدس، تكون في وضع من الرسالة متواصل (مت 28: 19).

وإذ يتبع السينودس مثال الطوباويَّة مريم العذراء، خادمة الربّ الوضيعة، يسعى لمساعدتنا على اكتشاف إعجابيّ لكلام الله، الذي هو حيّ وأمضى من السيف وفاعل، في قلب الكنيسة، وفي ليتورجيَّتها والصلاة، في الأنجلة والفقاهة، في التأويل واللاهوت، في الحياة الفرديَّة والجماعيَّة، كما في ثقافات البشر التي ينقّيها الإنجيل ويغنيها. وحين يتيح المسيحيّون لكلام الله بأن يوقظهم، يستطيعون أن يجيبوا كلّ من يسألهم حجَّة عن رجائهم (1بط 3: 15)، فيحبّون القريب، "لا بالكلام واللسان، بل بالعمل والحقّ" (1يو 3: 18). وإذ يتمّ البشرُ الأعمال الصالحة يضيء نورهم أمام الناس، نورٌ هو انعكاس مجد الله، وجميعهم يسبّحون أبانا الذي في السماوات (مت 5: 16). وهكذا تشعُّ كلمة الله على كلِّ حياة الكنيسة، فيبدو حضورها في المجتمع خميرة عالم أكثر عدالة وأمانًا، حيث لا يسود أيُّ نوع من العنف، عالم منفتح على بناء حضارة المحبَّة.

"كلام الربّ يثبت إلى الأبد. هذا هو الكلام الذي حمله الإنجيل إليكم" (1بط 1: 25). وهكذا صار التفكير في السينودس صلاة متواضعة لكي ينير الاكتشاف الجديد لكلام الله إنارةً أفضل طريقَ الإنسان في الكنيسة وفي المجتمع، على مدِّ مسيرة التاريخ بما فيها من التواء، وهو ينتظر واثقًا "سماوات جديدة وأرضًا جديدة [...] يسكن فيها البرّ" (2بط 3: 13).

نيكولا إِتِيرُوفِيتْش

رئيس أساقفة سِيساك

الأمين العام

حاضرة الفاتيكان، 25 آذار 2007


المقدِّمة

لماذا سينودس حول كلام الله

"الذي كان من البدء، الذي سمعناه بآذاننا، ورأيناه بعيوننا، الذي تأمَّلناه، ولمسته أيدينا من كلمة الحياة، والحياة تجلَّت فرأيناها، والآن نشهد لها ونبشِّر بالحياة الأبديَّة التي كانت عند الآب وتجلَّت لنا، الذي رأيناه وسمعناه نبشِّركم به لتكونوا أنتم أيضًا شركاءنا، كما نحن شركاء الآب وابنه يسوع المسيح. نكتب إليكم بهذا ليكون فرحنا كاملاً" (1يو 1: 1-4).

1- في البدء كان الكلمة (يو 1: 1). "كلمة الله تثبت إلى الأبد" (أش 40: 8). فكلام الله يفتتح التاريخ مع خلق الكون والإنسان: "قال الله" (تك 1: 3، 6ي)، ويُعلن جوهره مع تجسُّد الابن يسوع المسيح. "والكلمة صار بشرًا" (يو 1: 14)، ويكمِّله مع وعد أكيد باللقاء معه في حياة لا نهاية لها. "أجل، أنا أعود قريبًا" (رؤ 22: 20).

ذاك هو اليقين السامي الذي يريد الله ذاته، في حبِّه اللامحدود، أن يعطيه للإنسان في كلِّ الأزمنة، فيجعل من شعبه شاهدًا له. ذاك هو السرّ العظيم للكلمة على أنَّها موهبة الله السامية التي يريد السينودس أن يعبدها ويشكرها ويتأمَّلها ويعلنها للكنيسة وللبشر جميعًا.

2- دلَّ الإنسان المعاصر، وبطُرُق متعدِّدة، أنَّه يحتاج احتياجًا كبيرًا إلى الإصغاء إلى الله وإلى التكلُّم معه. ويحسُّ المسيحيّون اليوم توقًا حارًّا للمضي إلى كلام الله على أنَّه ينبوع حياة، ونعمة لقاء الإنسان بالربّ.

لهذا لا ندهش حين يجيب الله على مثل هذا الانفتاح لدى الإنسان؛ فالله اللامنظور، والذي "يتوجَّه إلى البشر كما إلى أحبّاء، ويتحدَّث معهم ليدعوهم إلى الدخول في شركة معه، ويتقبَّلهم في هذه الشركة[1]، هذا الوحي السخيّ من لدن الله هو حدث مستمرّ للنعمة.

ونحن نرى في كلِّ هذا عمل الروح القدس، الذي، بالكلمة، يسعى إلى أن يجرِّد حياة الكنيسة ورسالتها، فيدعوها إلى اهتداء متواصل، ويرسلها تعلن الإنجيل لجميع البشر "لتكون لهم الحياة وتكون وافرة" (يو 10: 10).

3- يتركَّز كلامُ الله في شخص المسيح الربّ، وقد جعلت الكنيسة من سرِّ الكلمة خبرة وتفكيرًا ثابتَين على مدِّ الأجيال. "ماذا تظنُّون أن يكون الكتاب إلاّ كلام الله؟ لا شكَّ في أنَّها عديدة الأقوال التي كتبتها يدُ الأنبياء، أمّا كلمة الله فهو فريد، وهو الذييُجمِل الكتاب المقدَّس كلَّه. فهذا الكلمة (يسوع) الفريد قد تصوّره المؤمنون زرعَ الله وعريسَهم الشرعيّ، بفم خصبٍ حين ولدوه وسلَّموه إلى إشارات، هي حروف الكتابة، لكي يوصلوه إلينا"[2].

مع الدستور العقائديّ في الوحي الإلهيّ، كلمة الله، أوجز المجمع الفاتيكانيّ الثاني التعليم الرسميّ للكنيسة حول كلام الله، فعرض العقيدة وبيَّن ممارستها؛ فالكلمة تدفعنا لنحقِّق طريقًا طويلاً من النضوج والتعمُّق على إيقاع ثلاث رسائل رعائيَّة: عناية الله لِلاوون الثالث عشر، الروح البارقليط لِبنديكتوس الخامس عشر، وبفيض من الروح القدس لِبِيّوس الثاني عشر[3]، طريقًا اغتنى بتأويل ولاهوت متجدِّدَين، بخبرة المؤمنين الروحيَّة، وقد ذكّر به بشكل مناسب سينودسُ الأساقفة سنة 1985[4] وتعليمُ الكنيسة الكاثوليكيَّة. بعد المجمع، شجَّعت السلطة التعليميَّة العامَّة والخاصَّة في الكنيسة بإلحاح، اللقاء مع الكلمة، وهي مقتنعة بأنَّ هذه الكلمة "تحمل للكنيسة [...] ربيعًا روحيًّا جديدًا".[5]

إذًا، تحدَّد موقع الجمعيَّة السينودسيَّة في النفحة الكبيرة للكلمة التي يوجِّهها الله إلى شعبه، في رباط وثيق مع سينودوسات الأساقفة (1965-2006)، إذ تذكِّر بأساس الإيمان عينه، وتتوخّى في زماننا أن تجعل ملموسةً شهاداتُ اللقاء مع الكلمة التي نجدها في عالم البيبليا (يش 24؛ نح 8؛ أع 2) وعلى مدِّ تاريخ الكنيسة.

4 - وفي شكل أخصّ، يسعى هذا السينودس، وفي تواصل مع السينودس السابق، أن يُبرز العلاقة الباطنة بين الإفخارستيّا وكلام الله، إذ إنَّ الكنيسة "لا تني تأخذ خبز الحياة [الواحد] من مائدة كلام الله كما من مائدة جسد المسيح"[6]. ذاك هو الباعث العميق، وفي الوقت عينه، الهدف الأوَّل للسينودس: ملء لقاء كلام الله في الربِّ يسوع، الحاضر في الكتاب المقدَّس وفي الإفخارستيّا. وقد أكَّد القدّيس إيرونيموس: "جسد الربّ طعام حقيقيّ، ودمه شراب حقيقيّ: ذاك هو الخير الحقيقيّ الذي حُفظ لنا في هذه الدنيا: التغذّي من جسده وشرْبُ دمه، لا في الإفخارستيّا فحسب، بل في قراءة الكتب المقدَّسة أيضًا. فكلام الله الذي نستقيه من معرفة الكتب المقدَّسة هو طعام حقيقيّ وشراب حقيقيّ".[7]

ولكن قبل الشروع في ذلك، ينبغي أن نتساءل، وبعد أربعين سنة على المجمع الفاتيكانيّ الثاني: أيَّ ثمار أعطى الدستور العقائدي كلام الله في جماعاتنا، وكيف قبلناها حقًّا؟ بالنسبة إلى كلام الله، لا شكَّ في أنّ نتائج إيجابيَّة عديدة قد تحقَّقت في شعب الله. ذاك وضع التجديد البيبليّ في إطار الليتورجيّا، واللاهوت، والفقاهة، أو أيضًا في إطار نشر الكتب المقدَّسة واستعمالها في الرسالة البيبليَّة واندفاع الجماعات والحركات الكنسيَّة، وأخيرًا في إطار التوفّر المُطَّرِد لوسائل الاتصال المعاصر وأدواته. ولكن بقيت بعدُ وجهات أخرى مفتوحة وممشكلة. فظواهر الجهل واللاَّيَقِين في عقيدة الوحي وكلام الله أمران خطيران؛ وانفصال مسيحيّين كثيرين عن البيبليا يبقى كبيرًا، كما خطرُ استعمالٍ خاطىء لهذه الأخيرة؛ فبدون حقيقة الكلمة تصبح نسبيَّة الفكر والحياة غادرة. فنحسّ بضرورة ملحَّة أن نعرف كامل المعرفة إيمان الكنيسة حول كلام الله، وأن نوسِّع، بنُهُوج موافقة، اللقاء مع الكتاب المقدَّس بالنسبة إلى جميع المسيحيّين، وأن نأخذ بطرق جديدة يحرِّكها الروح اليوم، لكي يُعرَف كلام الله في مختلف تجلِّياته، ويُسمَع ويُحَبّ ويُعَمَّق ويُعاش في الكنيسة، بحيث يصبح كلامَ حقٍّ وقداسة من أجل جميع البشر.

5- هدف هذا السينودس رعائيّ بامتياز؛ فحين نعمِّق الأمور العقائديَّة، ونتيح لها أن تنيرنا، نسعى إلى توسيع اللقاء مع الكلمة وتثبيته، على أنَّها ينبوع حياة في مختلف أوساط الاختبار، فنطرح من أجل هذا على المسيحيّين وعلى ذوي الإرادة الصالحة، طرقًا صحيحة وعمليَّة للإصغاء إلى الله والتحدُّث معه.

وفي شكل ملموس، أحد أغراض السينودس هو العمل على توضيح الوجهات الأساسيَّة الحقيقيَّة حول الوحي، مثل كلام الله، والتقليد، والبيبليا، والسلطة التعليميَّة، التي تعلِّل طريقَ إيمانٍ مقبول وفاعل وتكفله، وتحرِّك الاحترام والحبّ العميق للكتب المقدَّسة، بحيث يكون "الاقتراب منها [...]مفتوحًا واسعًا للمسيحيّين"[8]، وتجدِّد الإصغاء إلى كلام الله في الوقت الليتورجيّ والفقاهيّ، وفي شكل خاصّ مع القراءة الربيَّة المكيَّفة بشكل صحيح مع مختلف الظروف، وتقدِّم لعالم المساكين كلام تعزية ورجاء.

وهكذا فهذا السينودس يودُّ أن يعطي لشعب الله كلمة تكون خبزًا؛ هو يتوخّى إذًا أن يدفع ممارسة فِساريَّة صائبة للكتاب المقدَّس، موجِّهًا توجيهًا صحيحًا المسيرة الضروريَّة للأَنْجَلَةِ وللمُثاقفةِ؛ ويودُّ أن يستهلّ المواجهة والحوار بين اليهود والمسيحيّين[9]، وفي شكل أوسع، الحوار بين الديانات وبين الثقافات. فالسينودس يتوخّى تحقيق هذه الأغراض، وغيرها أيضًا، في ثلاثة فصول:

- الوحي، وكلام الله، والكنيسة (الفصل الأوَّل)
- كلام الله في حياة الكنيسة (الفصل الثاني)
- كلام الله في رسالة الكنيسة (الفصل الثالث)

سيساعد هذا على توحيد الزمن المؤسَّس والزمن الذي يعمل فيه كلام الله في الكنيسة.

إذًا، لا تتوخّى هذه الخطوط العريضة أن تقدِّم مجموع البواعث وتطبيقات اللقاء مع كلام الله، بل أن تشير، على ضوء المجمع الفاتيكانيّ الثاني، إلى الجوهريَّة منها، فتبرز في الوقت عينه المعطى العقائدي والاختبار العمليّ، وتدعو إلى الإسهام لاحقًا مع إرفادات خاصَّة.

أسئلة حول المقدِّمة

1- ما هي "علامات الأزمنة" في بلدكم، التي تجعل هذا السينودس حول كلام الله أمرًا ملحًّا؟
2- أيّ علاقة نجد بين السينودس السابق حول الإفخارستيا وهذا السينودس حول كلام الله؟
3- هل هناك تقاليد خبرةٍ بيبليَّة في كنيستكم المحلِّيَّة؟ ما هي؟ هل هناك فِرَقٌ بيبليَّة؟ من أيِّ نمط هي؟


الفصل الأوَّل

الوحي، وكلام الله، والكنيسة

"كلَّم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرّات كثيرة وبمختلف الوسائل، وفي الأيّام الأخيرة كلَّمنا بابنه الذي جعله وارثًا لكلِّ شيء، وبه خلق العالم" (عب 1: 1-2).

المبادرة تأتي من الله، والوحي الإلهيّ يتجلّى على أنَّه كلام الله

6- "سُرَّ الله في لطفه وحكمته أن يكشف عن نفسه، وأن يعرِّف سرَّ مشيئته"[10]. تجاه خطر به نسجن سرَّ الله في بُنًى محض بشريَّة، وفي علاقة باردة وكيفيَّة، قدَّم المجمع الفاتيكانيّ الثاني، في الدستور العقائدي كلام الله، مجمل إيمان الكنيسة، وهو إيمان عمره أجيال عديدة، عارضًا الخطوط الرئيسيَّة لتفكير صحيح. يتجلّى الله بشكل مجّانيّ وموجَّه من أجل إقامة علاقة بَيْشخصيَّة من الحقيقة والحبِّ مع الإنسان والكون اللذين خلق. هو يكشف عن ذاته في الواقع المنظور للكون والتاريخ "بأقوال وأعمال [...] مرتبطة في ما بينها ارتباطًا وثيقًا"[11]، وبيَّن هكذا "تدبيرَ الوحي"، أي مشروعًا يتوخّى خلاصَ الإنسان ومعه الخليقة كلّها. وهكذا تنكشف أمام عيوننا، دفعةً واحدة، الحقيقةُ حول الإله الواحد والثالوث، والحقيقة حول الإنسان الذي يحبُّه الله، ويتوخّى أن يجعله سعيدًا، والحقيقة التي تستقي عظم بهائها من يسوع المسيح الذي "هو وسيط الوحي كلِّه وملؤه"[12].

وعلاقة الاتِّصال المجّانيّ هذه، التي تفترض مشاركة عميقة، قياسًا مع الاتِّصال على مستوى البشر، يدعوها الله ذاته، كلامَه، "كلام الله". لهذا ينبغي أن تُفهم فهمًا جذريًّا على أنَّها فعل شخصيّ من الإله الواحد والثالوث، الذي يحبّ، وبالتالي يتكلَّم، والذي يتكلَّم مع الإنسان لكي يعرف هذا الأخير هذا الحبّ ويتجاوب معه[13]. هذا ما تثبته قراءة متنبِّهة للبيبليا، من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. وحين يُقرأ كلام الله، وبخاصَّة يُعلَن، كما هو الأمر بالنسبة إلى الإفخارستيّا، "الذي هو السرّ السرّ"[14]، وفي سائر الأسرار، يدعونا الربُّ ذاته لكي "نحقِّق" حدثًا بَيْشخصيًّا، فريدًا وعميقًا، من التشارك بينه وبيننا، وبيننا جميعًا؛ فكلام الله فاعل، ويحقِّق ما يقول (عب 4: 12).

الإنسان بحاجة إلى الوحي

7- يستطيع الإنسان أن يعرف الله انطلاقًا من وسائل منحه الله إيّاها (روم 1: 20)، خصوصًا عالم الخليقة (كتاب الطبيعة). ومع ذلك، وفي الظروف التي يجد نفسه فيها، بفعل الخطيئة، صارت هذه المعرفة غامضة ولاأكيدة، وينكرها العديدون. غير أنَّ الله لا يتخلّى عن خليقته، فيُدخل فيها، وإن لم يُعرَف ذلك دومًا، رغبةً في النور والخلاص والسلام. وهذه الرغبة ما زالت حاضرة عبر إعلان الإنجيل في العالم كلِّه، فتُنتج قيمًا دينيَّة وثقافيَّة تساعد عددًا كبيرًا من الناس على مسيرة البحث عن إله يسوع المسيح.

وفي حياة شعب الله عينها، ندرك توقًا حادًّا وحاجة إلى تذوُّق إيمان نقيّ وجميل، فننـزع حجاب الجهل واللُبس والحذر في ما يتعلّق بالله وبالإنسان، بحيث نميِّز ونقوّي انتصارات التقدُّم الكثيرة في حقيقة الله. إذًا، نستطيع أن نتكلَّم عن حاجة عميقة ومنتشرة تفعل فعل نداء، فتفتح بشكل وجوديّ على حقيقة الوحي الذي حقَّقه الله ذاته من أجل خير البشريَّة، أي الإصغاء إلى كلمته. فالاهتمام بها يشكّل أساس أغراض السينودس من أجل تردّدات في العمل الرعائيّ، إذ يُبرز صحَّة مسيرة الأنجلة الجديدة ويشجِّعها، ويتيح لنا في الوقت نفسه أن ندرك تعليمات ثمينة من أجل الحوار المسكونيّ بين الديانات وبين الثقافات.

كلام الله يتناسج مع تاريخ الإنسان ويوجِّه طريقه

8- في بعض الثقافات، يحسُّ الإنسان المعاصر أنَّه صانع تاريخ، وبالتالي سيِّده، فيستصعب أن يقبل بتدخُّل أحد في عالمه، دون حوار معه وإعطاء أسباب حضوره. وقد يُوجَد مثلُ هذا الموقف تجاه الله، في شكل مخطئ غالبًا، فيتميَّز في كلِّ حال بالشك. غير أنَّ الله الذي لا يقدر أن يُسكت حقيقة كلامه، يطمئن الإنسان أنَّه دومًا أمام كلام صديق، من أجل خيره، في احترام حرِّيَّته، ولكنَّه يطلب منه في الوقت عينه أن يصغي إلى هذا الكلام بصدق، وأن يتأمَّله. فينبغي على كلام الله أن "يظهر مثل انفتاح على تساؤلات [الإنسان]، وجوابًا على أسئلته، وتوسيعًا لقيمه، وفي الوقت عينه، إرضاء لأعمق توق فيه"[15]. وعلى ضوء الدستور العقائديكلام الله أيضًا نعرف أنَّ كلمته، التي تفوَّه بها الله، تسبق كلَّ مبادرة وكلام بشريَّين، تتوخّى أن تفتح للإنسان آفاقًا لامنتظرة من الحقيقة والمدلول، كما تشهد على ذلك نصوص تك 1؛ يو 1؛ 1ي؛ عب 1: 1؛ رو 1: 19-20؛ غل 4: 4؛ كو 1: 15-17. وأكَّد القديس غريغوار الكبير: "حين تتنازل الكتب المقدَّسة وتستعمل كلماتنا الضعيفة، فلكي تصعدنا بلطف، درجةً درجة، ممّا نراه قريبًا منّا إلى تساميه"[16].

منذ البدايات، أراد الله أن "يفتح طريق الخلاص الأبديّ"[17]. وعلى ضوء الكتاب المقدَّس، أُعطيَ لنا أن نتعلَّم كيف بدأت كلمتُه القديرة حوارًا حيًّا، دراماتيكيًّا في بعض الأحيان، ولكنّه في النهاية منتصرًا، مع البشريَّة منذ بداياتها، ثمَّ في تاريخ شعبه، إسرائيل، وصولاً إلى الوحي السامي في تاريخ يسوع المسيح، كلمته الأبديَّة المتجسِّدة (يو 1: 14). وقد أنشد أفرام: "عند ذاك شاهدتُ الكلمة الخالق وقابلته بالصخر السائر مع الشعب في وسط البرّيَّة. ما جمع في ذاته مياهًا ولا خزّن، ومع ذلك صبّ على الشعب سيولاً عجيبة. لا مياه فيه، ولكن منه تفجّرت محيطات البحار. فمن لا شيء خلق الكلمةُ صنائعَه. طوبى لمن يستحقّ أن يرث فردوسك! صوَّر موسى في كتابه خلق الطبيعة كلِّها لكي تشهد للخالق الطبيعةُ والكتاب؛ الطبيعة بالاستعمال، والكتاب بالقراءة: هذان هما شاهدان ينتشران في كلِّ مكان، ويُوجَدان في كلِّ زمان، ويحضران في كلِّ ساعة، فيبيِّنان للكافر نكرانه لجهل خالقه[18].

ولهذه النظرة إلى كلام الله وقعٌ قويٌّ في العمل الرعائيّ؛ فهي تُناسِج تاريخه وتاريخ البشر، وتجعل نفسها تاريخَ البشر، بحيث إنَّ تاريخنا البشريّ لا يتألَّف فقط من أفكار وأقوال ومبادرات بشريَّة. هي تُبرز آثارًا حيَّة في الطبيعة وفي الثقافة، وتنير علوم الإنسان لتأخذ قيمتها الصحيحة، وتساعد أيضًا بواسطة هذه العلوم أن توضح هويَّتها الخاصَّة، وأن تجعل الإنسانيَّةَ الأصيلةَ التي هي إنسانيَّتُها تُشعّ. وفي شكل أخصّ، هي كلمة اختارت لنفسها شعبًا لتقاسمه طريق الحرّيَّة والخلاص، إذ تبرز جدِّيَّة الله الثابتة والصابرة: أن يكون "عمانوئيل" (أش 7: 14)، "إلهنا معنا" (أش 8: 10؛ رج رو 8: 31؛ رؤ 21: 3)، هذا يتيح لنا أن نفهم كيف أنَّ الكلمة، وبفضل شهادة البيبليا، وجدت صدى في أفكار الإنسان وتعابيره على مدِّ الأجيال، وبعض المرّات في شكل التواءٍ ومُعاناة، في أصوات التاريخ المعتَّمة، فتخرج نتائج خارقة تتجلّى عبر القدّيسين بشكل مُبلبِل. فحين عاش هؤلاء القدّيسون كاريسماتهم الخاصَّة كموهبة من الروح القدس، بيّنوا الإمكانات الهائلة والأصيلة في كلام الله حين تُؤخَذ بجدِّيَّة.

ويهمُّنا اليوم بشكل خاصّ أن نساعد على فهم العلاقة الصحيحة بين الوحي العلنيّ الذي يشكِّل قانون الإيمان المسيحيّ، والإيحاءات الخاصَّة، فنميِّز كيف تكون هذه الحقائق ملائمة للإيمان الأصيل.

يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسِّد، ملءُ الوحي

9- "كلَّم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرّات كثيرة بمختلف الوسائل، وفي هذه الأيّام الأخيرة كلَّمنا بابنه" (عب 1: 1ي). يتوصَّل المسيحيّون في شكل عام إلى أن يُدركوا الطابع المركزيّ لشخص يسوع المسيح في وحي الله. ولكنَّهم لا يعرفون دومًا أسباب هذه الأهمِّيَّة، ولا يفهمون كيف أنَّ يسوع هو في قلب كلام الله؛ لهذا، ففي قراءة البيبليا أيضًا يصادفون صعوبات في قراءة هذا الوحي من منظار مسيحيّ.

فينبغي دومًا على ضوء الدستور العقائديكلام الله، أن نتذكَّر أنَّ الله أراد مبادرة لامتوقَّعة كلِّيًّا، ومع ذلك محقَّقة: "أرسل ابنه، أي الكلمة الأزليّ، الذي ينير كلَّ البشر، لكي يقيم في وسطهم، ويشرح لهم أسرار الله" (يو 1: 1-18)، بحيث إن يسوع المسيح الكلمة المتجسِّد، الإنسان الذي أرسل وسط البشر، "يقول أقوال الله" (يو 3: 34)، ويحقِّق كلَّ عمل الخلاص الذي أوكله إليه الآب (يو 5: 36؛ 17: 4)[19]. ففي حياته على الأرض، والآن في حياته في السماء، يأخذ يسوع الهدف كلَّه ويحقِّقه، مع المعنى، والتاريخ، والمشروع الذي يتضمّنه كلام الله، كما قال القدّيس إيرِينيه: "حين أتى المسيح بيننا جعل كلَّ شيء جديدًا"[20].

ويهمُّنا على ضوء يسوع المسيح، وعلى المستوى الرعائيّ، أن نعرف عن طريق القياس، أن نقطف القيمة المتعدِّدة التي يحملها كلام الله في إيمان الكنيسة بحسب شهادة البيبليا عينها. فهو يتجلّى ككلمة الله الأبديَّة، ويشعّ في الحق ويتَّخذ منحى تاريخيًّا عند الأنبياء، ويتجلّى في شخص يسوع، ويتواصل في صوت الرسل، ويُعلَن اليوم في الكنيسة. هو يشكّل كُلاًّ، مفتاح تفسيره هو المسيح الكلمة، بقوَّة الروح القدس. "فكلام الله الذي كان في البدء لدى الله، ليس، في ملئه، كلماتٍ متعدِّدةً: هو لا يتكوَّن من أقوال كثيرة، بل هو الكلام الوحيد، الذي يضمُّ عددًا كبيرًا من الفكرات، حيث كلُّ فكرة هي جزء من الكلمة كلِّها[...]. وإن أعادنا المسيح إلى الكتب المقدَّسة، كتلك التي تشهد له، فقد اعتبر أسفار الكتب المقدَّسة مثل لفيفة واحدة، لأنَّ كلَّ ما كُتب عنه هو موجَز في هذا الكلِّ الواحد"[21]. نرى هنا تواصلاً في الاختلاف.

وتؤمِّن الكنيسة إعلانًا جوهريًّا لغنى هذه الكلمة؛ فالجماعة المسيحيَّة تحسُّ أنَّها وُلدت وتجدَّدت بكلام الله، إذا عرفت أن تفهمها في يسوع المسيح. تلك حقيقة. وهناك حقيقة أخرى هي أنَّ كلام يسوع، أي يسوع نفسه، ينبغي أن يُفهَم "بحسب الكتب" (لو 24: 44-49)، أي في تاريخ شعب الله في العهد القديم، الذي انتظره كالمسيح، والذي يعلنه الآن، مع الكرازة، في تاريخ الجماعة المسيحانيَّة، ويتأمّل فيه مع البيبليا، ويختبر صداقته وقيادته في الوجود. وقد أكَّد القدّيس برنار على مستوى تجسُّد الكلمة، أنَّ المسيح هو مركز الكتاب المقدَّس كلِّه؛ "فكلام الله الذي كان يُسمَع في العهد القديم، صار منظورًا في المسيح"[22].

كلام الله تشبه سمفونيَّة

10- إنَّ التعليمات المعطاة سابقًا، تتيح لنا الآن أن نرسم المعنى الذي تعطيه الكنيسة لكلام الله على ضوء الوحي. هو سمفونيَّة تفسِّرها آلات عديدة، حيث ينقل كلامًا بأشكال كثيرة ووسائل مختلفة (عب 1: 1)، خلال تاريخ طويل، وعبر مبشِّرين مختلفين، لكن مع تراتبيَّة المدلولات والوظائف. فمن الحقِّ أن نتكلَّم عن معنى تشابهيّ للكلمة.

أ- على ضوء الوحي، كلام الله هو كلمة الله الأزليّ، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، ابن الآب، وأساس المشاركة داخل الثالوث وخارجه. "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الله. كان في البدء مع الله. كلٌّ به كان، وبدونه ما كان شيء" (يو 1: 1-3؛ رج كو 1: 16).

ب- من هذا القبيل، العالم المخلوق "يروي مجدَ الله" (مز 19: 1)، وصوتُه هو في جميع الأشياء (سي 64: 17؛ مز 68: 34). في بداية الأزمنة، خلق الله الكون بكلمته، فختم الخليقة بختم حكمته، التي يكون الإنسان مفسِّرها الطبيعيّ، هو المخلوق على صورة الله ومثاله (تك 1: 26-27؛ رو 1: 19-20). فالكلمة يعطي الكلام للإنسان ليفتح حوارًا مع الله ومع الخليقة. وهكذا جعل الله الخليقة والإنسان، أوَّلاً، "شهادة متواصلة عنه"[23].

ج- "الكلمة صار بشرًا" (يو 1: 14): كلام الله في سموِّه، الكلام الأخير والنهائيّ، هو يسوع المسيح، بشخصه ورسالته وتاريخه، المرتبطة ارتباطًا حميمًا، بحسب قصد الله الذي يجد ذروته في الفصح، ويتحقَّق حين يسلِّم يسوع المُلك للآب (1كو 15: 24). إنَّه إنجيل الله للإنسان (مر 1: 1).

د- من أجل الكلمة الذي هو الابن المتجسِّد، تكلَّم الآب في الأزمنة السابقة، بواسطة الأنبياء (عب 1: 1)، وبقوَّة الروح يواصل الرسل إعلان يسوع وإنجيله. وإذ صارت كلمات البشر في خدمة كلمة الله الوحيدة اتُّخِذَت على أنَّها كلمات الله، فتردَّد صداها في إعلان الأنبياء والرسل.

هـ- وإذ ثبَّت الكتابُ المقدَّس كلامَ يسوع في أقوال الأنبياء والرسل بقوَّة الوحي الإلهي، شهد له في شكل صريح. والنتيجة هي أنَّه يتضمَّن كلام الله، وبما أنَّه موحى، فهو بالحقيقة كلام الله[24]، وموجَّه كلُّه إلى الكلمة الذي هو يسوع، "لأنَّ [الكتب] هي التي تشهد لي" (يو 5: 39). أمّا في ما يخصُّ موهبة الإلهام، فأسفار الكتب المقدَّسة تحمل قوَّة نداء مباشر وملموس، لا نجده في نصوص أخرى ولا في مداخلات كنسيَّة.

و- ولكنَّ كلام الله لا يبقى محجوزًا في الكتابات؛ فإن كان فعل الوحي قد خُتم مع موت آخر الرسل[25]، فالكلام الموحى لا يزال يُعلَن ويُسمَع في تاريخ الكنيسة، التي تلتزم بأن تحمله إلى العالم تجاوبًا مع انتظاراته. هكذا تواصل الكلمة سعيَها عبر الكرازة الحيَّة، وفي أشكال أخرى متعدِّدة في خدمة الأنجلة: من هذا القبيل، الكرازة هي كلام الله، الذي يهبه الله الحيّ لأناس يعيشون في يسوع المسيح بوساطة الكنيسة. وانطلاقًا من هنا، نستطيع أن نفهم أنَّه، حين يُكرَز بوحي الله، يتحقَّق في الكنيسة حدثٌ يمكن أن يُدعى كلام الله.

ينبغي أن نقرَّ بأنَّ لكلام الله كلَّ صفات الاتِّصال البَيْشخصيّ الصحيح، كما الوظيفة الإعلاميَّة، مثلاً، بحيث ينقل الله حقيقته؛ هي وظيفة تعبيريَّة بحيث يتيح الله لنا بأن نستشفَّ طريقة التفكير عنده والحبّ والعمل؛ وهي وظيفة منادية، حيث يوجِّه الله كلامه، ويدعو إلى الإصغاء وإلى جواب إيمانيّ.

يعود إلى الرعاة أن تكون لهم هذه الرؤية المتناسقة للكلمة، بحيث يتجنَّبون أشكال فهم خاطئة، محصورة أو ملتبسة، ويلقون الضوء على ارتباطها الباطنيّ بسرِّ الإله الواحد والثالوث، وبوحيه، وبتجلّيه في العالم المخلوق، وحضوره كبذار في حياة الإنسان وتاريخه، وبتعبيره الساميّ في يسوع المسيح بشهادته المعصومة في الكتاب المقدَّس، وانتقاله في التقليد الحيّ. وبالنسبة إلى سرِّ كلام الله، الذي صار لغة بشريَّة، نتنبَّه إلى البحث العمليّ حول اللغة وانتقالها.

إيمان الإنسان يقابل كلام الله، والإيمان يتجلّى في الإصغاء

11- "ينبغي أن نحمل طاعة الإيمان إلى الله الذي يوحي"[26]. هو يعطي ذاته حين يتكلَّم، والإنسان الذي يُصغي "يسلِّم إليه ذاته كلَّها وبحرِّيَّة"[27]. هذا يتضمَّن من قبل الجماعة ومن كلِّ مؤمن بمفرده[28] جوابًا تامًّا على عرضِ المشاركة الكاملة معه، والالتصاق بمشيئته. ويتجلّى مثل هذا الموقف من الإيمان والمشاركة، في كلِّ لقاء مع الكلمة، في الكرازة الحيَّة وفي قراءة البيبليا. وليس من قبيل الصدف إن كان الدستور العقائديكلام الله يعرض، من أجل اللقاء مع الكتاب المقدَّس، ما يقول بشكل إجماليّ عن كلام الله: "الله [...] يتوجَّه إلى البشر كما إلى أحبّاء [...] ليدعوهم إلى الدخول معه في مشاركة، ويستقبلوه في هذه المشاركة"[29]. "ففي الكتب المقدَّسة، يتقدّم الآب الذي في السماوات بشكل محبٍّ جدًّا للقاء أبنائه بمحبَّة كبيرة، ويقيم الحوار معهم"[30]. والوحي هو شركة حبّ، انطلاقًا من الكتاب المقدَّس، الذي يعبَّر عنه غالبًا بلفظة "العهد" (تك 9: 9؛ 15: 18؛ حز 24: 1-18؛ مر 14: 24).

هنا نلامس وجهة لها تأثير رعائيّ قويّ: فالإيمان يعني كلام الله في كلِّ علاماته ولغاته. إنَّه إيمان يتقبَّل من الكلمة، بفعل الروح القدس، إبلاغ الحقيقة، عبر السرد أو الصيغة العقائديّة؛ إنَّه إيمان يرى في الكلمة الميزة بأن تكون التشجيع الأوَّل من أجل اهتداء فاعل، والنور من أجل الإجابة على أسئلة عديدة في حياة المؤمن، والدليل من أجل تمييز صحيح يحكم على الواقع، والدافع إلى "صنع" الكلمة (لو 8: 21)، لا قراءتها فقط والتلفُّظ بها، وفي النهاية، الينبوعَ الدائم للعزاء والرجاء. والمنطق المتين في الإيمان الذي ينبع منها هي مهمَّة التعرُّف إلى كلام الله وتأمين الأوَّليَّة له في حياة كلِّ مؤمن، فيقبله كما تعلنه الكنيسة وتفهمه وتشرحه وتحياه.

مريم مثال المؤمن في قبول الكلمة

12- في السبيل الذي يلج سرَّ كلام الله، تبقى مريم بنت الناصرة، وانطلاقًا من حدث البشارة، مربِّيةَ الكنيسة وأمَّها، والمثالَ الحيّ لكلِّ لقاء شخصيّ وجماعيّ مع الكلمة: تقبَّلتها في الإيمان، وتأمَّلتها، واستبطنتها، وعاشتها (لو 1: 38؛ 2: 19، 51؛ أع 17: 11). فمريم كانت تسمع الكتب المقدَّسة وتتأمَّلها، وتربطها بأقوال يسوع وبالأحداث التي كانت تكتشف على مدِّ تاريخها. أعلن إسحق النجم: "في الكتابات التي يلهمها الله، ما يُقال بشكل عامّ للكنيسة، العذراء والأمّ، ينطبق بشكل فرديّ على مريم، العذراء والأمّ [...]؛ فالكنيسة هي الوارثة الشاملة للربّ، ومريم هي الوارثة بشكل أخصّ، وكلّ نفس مؤمنة بشكل خاصّ. ففي هيكل حشا مريم، يلبث المسيح تسعة أشهر، وفي هيكل إيمان الكنيسة، لبث حتّى نهاية العالم في معرفة النفس المؤمنة وفي حبّه لها إلى الأبد"[31].

عرفت مريم أن تنظر حولها، وأن تعيش الحاجات اليوميَّة الملحَّة، وهي واعية بأنَّ ما تتقبَّله عطيَّةً من الابن، هو عطيَّة من أجل البشر جميعًا. فهي تعلِّمنا بألاّ نبقى متفرِّجين، غرباء عن كلمة الحياة، بل أن نشارك فيها، ونترك الروح القدس الساكن في مَن يؤمِن يقودنا. فمريم "عظَّمت" الربَّ واكتشفت في حياتها رحمة الله التي جعلتها "مُطَوَّبةً" لأنَّها "آمنت بما يتمُّ فيها ممّا قيل لها من قبل الربّ" (لو 1: 45). إضافة إلى ذلك، هي تدعو كلَّ مؤمن إلى أن يتبنّى كلمات يسوع: "طوبى للذين لم يروا وآمنوا" (يو 20: 29). فمريم هي صورة مصلّي الكلمة الحقيقيّ، الذي يعرف أن يحفظ كلام الله بحبّ، جاعلاً منها خدمةَ محبَّة، وذكرًا مستمرًّا لإمساك سراج الإيمان مشتعلاً في حياتنا اليوميَّة. ففي نظر القدّيس أمبروسيوس، كلُّ مسيحيّ يؤمن، يحمل بكلمة الله، ويلده؛ وإن لم يُوجَد سوى أمٍّ واحدة للمسيح بحسب الجسد، فبحسب الإيمان يسوع هو ثمرة الجميع[32].

كلام الله المسلَّم إلى الكنيسة، ينتقل إلى جميع الأجيال

13. "ما سبق الله وأوحاه لخلاص جميع البشر، قرَّر في لطفه العظيم أن يحافظ عليه، على الدوام بدون تبدُّل، وينقله إلى جميع الأجيال"[33]؛ فالله محبُّ كلِّ البشر وأبوهم، يتكلَّم اليوم أيضًا. والوحي الذي اكتمل، يُنقَل الآن أيضًا، في شكل من الأشكال، بحيث إنَّ كلام الله معاصر على الدوام وآنيّ، بل يمكنه أيضًا أن يكشف أكثر رَفْدَ نورِه ويوسِّع فهمنا. هذا ممكن لأنَّه، حين أعطى الآبُ روحَ يسوع للكنيسة، سلَّم إليها كنـز الوحي[34]، فجعلها أوَّلَ مقصدِ كلمةِ الله المٌحِبَّة والخلاصيَّة، والشاهدةَ المميَّزةَ لها.

لهذا، ليست الكلمة مستودعًا جامدًا في الكنيسة، بل هي "قاعدة الإيمان السامية"، وقدرة حياة، "تُنشر في الكنيسة بإسعاف الروح القدس"، وتكبر [...] بالمشاهدة والدراسة التي يقوم بها المؤمنون"[35]، عبر الخبرة الروحيَّة في الحياة الشخصيَّة وبكرازة الأساقفة. وهذا ما يشهد له بشكل خاصّ رجال الله الذين "سكنوا" الكلمة[36]. ومن الواضح أنّ المهمَّة الأكيدة والأولى للكنيسة، هي نقل كلام الله إلى جميع البشر، في كلِّ الأزمنة وفي كلِّ الأمكنة، بحسب وصيَّة يسوع (مت 28: 18-20). والتاريخ يبيِّن كيف حصل ذلك ويحصل اليومَ أيضًا بحيويَّة وخصب كبيرين، بالرغم من مرور قرون مديدة مثقلة بعوائق عديدة.

التقليد والكتاب في الكنيسة: مستودع واحد مقدَّس لكلام الله

14. إنَّه لأمر أساسيّ، في هذا المجال أن نذكر أنَّ كلام الله الذي صار في المسيح إنجيلاً أو خبرًا طيِّبًا، ومُسَلَّمًا إلى كرازة الرسل، يواصل جريَه وَفْقَ نقطتين مرجعيّتين واضحتين، ومرتبطتَين الواحدة بالأخرى ارتباطًا وثيقًا: المدُّ الحياتيّ للتقليد الحيّ الذي يكشفه "كلُّ ما هو في ذاته، وكلُّ ما يؤمن به"[37]، وبالتالي شعائرُ العبادة والتعليمُ وحياةُ الكنيسة، ثمَّ الكتابُ المقدَّس، الذي بإلهام الروح القدس، وَلاَتَبَدُّلُ الكتاب المقدَّس، يحفظ بحقّ العناصر الأصيلة التي تكوِّن هذا التقليد الحيّ. "فالتقليد المقدَّس والكتاب المقدَّس في عهدَيه، هما كمرآة فيها تشاهد الكنيسةُ الله، خلال حجِّها على الأرض، ومنهما تنال كلَّ شيء إلى أن تصل إلى غايتها أن تراه وجهًا لوجه كما هو (1يو 3: 2)[38]. يبقى على السلطة التعليميَّة في الكنيسة، التي ليست أسمى من كلام الله "أن تفسِّر كلام الله المكتوب والمنقول تفسيرًا صحيحًا"[39].

شدَّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على الوحدة الأصليَّة وعلى الرباطات العديدة بين التقليد والكتاب المقدَّس: فالكنيسة تقبلهما "بعاطفة متساوية من التقوى والاحترام"[40]. والسلطة التعليميَّة تقدِّم خدمة لا تحلُّ محلَّها خدمة حين "تصغي بتقوى إلى الكلمة، وتحفظها بورع، وتشرحها بأمانة"[41]. وهكذا تكفل لكلام الله التفسير الصحيح.

من الوجهة الرعائيَّة، وفي خطِّ تعليم الكنيسة، توضَّحت العلاقات بين التقليد والكتاب، على مستوى المضمون، وتترجمت خبرة حياة، والمثال على ذلك، في الأصل، سبق التقليدُ الكتب المقدَّسة، وهو لها دومًا تربتها العضوية الحياتية التي تفهمنا "الكتابات المقدَّسة نفسها [...]، وتساعد على ولوجها"، وتجعلها "ناشطة بشكل لا يُحدّ"[42]. ومن جهة ثانية، "تحتفظ هذه الأقوال بقيمتها [...]، في شكل رائع، بالنسبة إلى الكتاب المقدَّس: "كلمة الله حيَّة وفاعلة" (عب 4: 12)، "وهي القادرة على تشييد البناء وإعطاء المؤمنين الميراث مع جميع المقدَّسين" (أع 20: 32؛ رج 1تس 2: 13)[43]. فالتقليد والكتاب كلاهما قناتان تنقلان كلام الله، الذي يستقي ملء معناه في خبرتهما، "الواحد في الآخر"، بحيث يقالان، في هذا المنظار، أنَّهما حقًّا كلام الله.

وبما أنَّ للنتائج الكثيرة تأثيرًا هامًّا على المستوى الرعائيّ، فلا مكان لوجود "الكتاب وحده" في ذاته ولذاته؛ فالكتاب المقدس مرتبط بالكنيسة، أي بذاك الذي يتقبَّل التقليد والكتاب وفي الوقت عينه يفهمهما. فالكتاب المقدَّس يؤمِّن دورًا أساسيًّا للبلوغ إلى الكلمة في حقيقتها الأصليَّة، بحيث تصبح المقياس من أجل فهم التقليد فهمًا صحيحًا.

وينبغي أيضًا أن ننظر إلى التمييز بين التقليد الرسوليّ الأساسيّ، في نتائجه العمليَّة، وهو تقليد لاحق يفسِّر ويؤوِّن، وبين سائر التقاليد الكنسيَّة؛ كما ينبغي أن نقدِّر البعد الحاسم للاعتراف القانونيّ بالأسفار المقدَّسة من قبل الكنيسة التي تكفل صحَّتها (73 سفرًا: 46 في العهد القديم، 27 في العهد الجديد)[44]، تجاه تكاثر الأسفار اللاصحيحة أو المنحولة، أمس واليوم وفي كلِّ زمان.

وأخيرًا، تبقى دومًا خلفيَّة المواجهة والحوار الدقيق، الضروريّ والمشغوف، بين الكتاب والتقليد، فننظر أيضًا إلى علامات كلام الله في العالم المخلوق، ولا سيَّما مع الإنسان وتاريخه[45].

ففي خطِّ التقليد الحيّ، وبالتالي كخدمة صريحة لكلام الله، يجب أن ننظر أيضًا إلى شكل التعليم المسيحيّ، منذ أوَّل قانون إيمان، نواة كلِّ كتاب تعليم مسيحيّ، إلى مختلف العروض على مدِّ الأجيال، والشاهد الأقرب في الكنيسة الجامعة هوكتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، وفي الكنائس المحلِّيَّة كتب التعليم المختلفة.

الكتب المقدَّسة، كلام الله الملهم

15. "الكتب المقدَّسة هي كلام الله كما دُوِّنت كتابة بإلهام الروح الإلهيّ"[46]. اسمان يصفانها بشكل خاصّ: الكتب (المقدَّسة) والبيبليا، وهما عنوانان لهما مدلولهما في ذاتهما منذ الآن، على أنَّهما النصّ والكتاب بامتياز، مع انتشار يتجاوز حدود الكنيسة.

مبدئيًّا، لا بدَّ من الأخذ في عين الاعتبار بالنقاط التالية، بالنظر إلى تأثيرها العملانيّ في قراءة البيبليا: في الإطار اللاهوتيّ المرجعيّ الذي ذُكر من قبل، ينقل الكتاب والتقليد كلام الله بشكل لا يتبدَّل، فيردِّدان "صوت الروح القدس"[47]، وموهبة الإلهام الذي بحسبه يكوِّن الروح القدس الأسفار البيبليَّة على أنَّها كلام الله، ويَكِلُها إلى الكنيسة، كلمة ينبغي أن تُقبَل في طاعة الإيمان، لوحدة القانون (أي لائحة الأسفار القانونيَّة) كمعيار تفسير الكتاب المقدَّس. وحقيقة البيبليا يجب أن تُفهَم قبل كلِّ شيء على أنَّها "الحقيقة كما أراد الله أن تُستَودَع في الكتب المقدسة من أجل خلاصنا"[48]؛ والمدلول والبُعد في هويَّة البيبليا على أنّهما كلام الله في لغة بشريَّة، التي بحسبها يتمُّ تفسير البيبليا بشكل موحَّد، بتوجيه الإيمان وحسب مقاييس فلسفيَّة ولاهوتيَّة، وخصوصًا على ضوء ما دوَّنته اللجنة البابويَّة البيبليَّة: تفسير البيبليا في الكنيسة[49].

وندرك دومًا، واليوم أكثر من أيِّ يوم، في شعب الله، جوعًا وعطشًا إلى كلام الله، كما سبق عاموس وأشار إلى ذلك (عا 8: 11-12). هي حاجة حياتيَّة لا ينبغي أن نهملها، لأنَّ الربَّ نفسه هو الذي يحرِّكها. ومن جهة ثانية، يجب أن نلاحظ بحزن أنَّ هذه الحاجة غير موجودة في كلِّ مكان، لأنَّ كلام الله ينتشر قليلاً، واللقاء مع الكتب المقدَّسة لم يُسهَّل بعدُ بما فيه الكفاية. فينبغي أن نساعد المؤمنين على فهم هويَّة البيبليا، ولماذا وُجدت، وماذا تحمل إلى الإيمان، وكيف نستعملها، كلُّ هذا متطلَّبة هامَّة أجابت عليها الكنيسة دومًا، وفي عصرنا بشكل خاصّ، في الفصول الأربعة للدستور العقائدي كلام الله[50]. وجماعاتنا تجد نفسها أمام واجب ضروريّ بأن تعرفها في شكل ملائم، وأن تستعمل روافد أخرى من السلطة التعليميَّة والبحث الكفوء.

مهمَّة ضروريَّة ودقيقة: تفسير كلام الله في الكنيسة

16. إنَّ رؤية المسيحيّين العديدين الذين يتفحَّصون في العمق كلام الله في الكتاب المقدَّس، في قلب الجماعات أو أفرادًا، هي بالنسبة إلى الكنيسة إمكانيَّة ثمينة تتيح للمؤمنين بأن يفهموه فهمًا صحيحًا ويجعلوه ملموسًا. وهذا أمر له قيمته اليوم أكثر من أيِّ يوم، لأنَّ مواجهة جديدة انفتحت بين كلام الله وعلوم الإنسان، ولا سيَّما في مجال البحث الفلسفيّ والعلميّ والتاريخيّ. فنحن نعرف غنى الحقائق والقيم المرتبطة بالله، وبالإنسان وبالأشياء، وهو غنى يصدر عن هذا الاتِّصال بين الكلمة والحضارة، كما توجد مواجهة مستمرَّة حول مسائل مستجدَّة؛ فالعقل يحاور الإيمان الذي يتضمَّنه في مشاركة من أجل حقيقة وحياة تتوافقان مع وحي الله وانتظار البشريّة[51].

ولكن هناك أيضًا خطر التفسير الاعتباطيّ والتحجيميّ، كما في الأصوليَّة: من جهة، هي تظهر رغبة في الأمانة للنصّ، ومن جهة أخرى، تتجاهل طبيعةَ هذه النصوص نفسها، فتتعرَّض لضلالات خطيرة، وتولِّد أيضًا صراعات لا فائدة منها[52]. وهناك أخطار أخرى تفرضها القراءات "الإيديولوجيَّة"، أو البشريَّة المحضة التي لا تطلب سند الإيمان (2بط 1: 19-20؛ 3: 16)، إلى أشكال تَعَارُضٍ أو فَصْلٍ بين الشكل المكتوب، كما تشهد له البيبليا بشكل رئيسيّ، والشكل الحيّ للإعلان وللاختبار في حياة المؤمنين. كما يصعب القبول بمهمَّة السلطة التعليميَّة في خدمة كلام الله، بالنسبة إلى البيبليا كما إلى التقليد. ونلاحظ، في شكل عامّ، معرفة غير كافية أو غير دقيقة لقواعد الفِسارة، توافق هويَّة الكلمة، ومركَّبة من قياسات بشريَّة وموحاة، في إطار التقليد الكنسيّ والإصغاء إلى السلطة التعليميَّة.

فعلى ضوء المجمع الفاتيكانيّ الثاني والسلطة التعليميَّة بعده[53]، تبدو بعض الوجهات وكأنَّها تحتاج اليوم إلى تنبُّه وتفكير خاصَّين، لكي تُنقَل بشكل مناسب إلى المستوى الرعائيّ: فالبيبليا، كتاب الله والإنسان، ينبغي أن تُقرأ في وحدة صائبة بين المعنى التاريخيّ والحرفيّ، والمعنى اللاهوتيّ والروحيّ[54]. هذا يعني أنَّ النهج التاريخيّ والنقديّ ضروريّ من أجل تأويل صحيح، تغنيه أشكال أخرى من المقاربة[55]. فيجب مواجهة المسألة التفسيريَّة في الكتاب، ولكن للوصول إلى ملء مدلوله، ينبغي أن نستعمل المقاييس اللاهوتيَّة التي عرضتها أيضًا الدستور العقائديكلام الله: "مضمون [...] ووحدة الكتاب كلِّه، مع الأخذ بعين الاعتبار التقليد الحيّ في الكنيسة كلِّها، وقياس الإيمان"[56]. ونشعر اليوم بالحاجة إلى تفكير لاهوتيّ ورعائيّ معمَّق، من أجل تنشئة الجماعات على فهم الكتاب المقدَّس فهمًا صحيحًا ومثمرًا، على أنَّه كلام الله المفهوم في سرِّ الصليب وقيامة يسوع المسيح الحيّ في الكنيسة.

ويعلن البابا بنديكتُوس السادس عشر: "وبكلام آخر، همّي الكبير أن يتعلَّم اللاهوتيّون قراءة الكتاب المقدس ومحبَّته، بحسب تعبير المجمع في الدستور العقائدي كلام الله، ليروا الوحدة الباطنيَّة التي يدعمها اليوم ’التأويل القانونيّ‛ (الذي ما زال حتّى الآن في مرحلة بداية خجولة)، ثمَّ، ليقوموا بقراءتها قراءة روحيَّة، وهذا لا يقوم في شيء خارجيّ، ذات طابع تقويّ، بل في غوص داخلي في حضور الكلمة. وهذا يبدو لي واجبًا مهمًّا جدًّا: العمل بأن يتأمَّن مع التأويل التاريخيّ والنقديّ، فيه وفي موازاته، مقدِّمة صريحة إلى الكتاب الحيّ الذي هو كلمة الله الحاضرة"[57].

ينبغي، في هذا المنظار، أن نتطلَّع بانتباه إلى المشاركة التي قدَّمها كتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، وإلى مختلف الأصداء والتقاليد التي تحرِّكها البيبليا في حياة شعب الله، وإلى رفد العلوم اللاهوتيَّة والإنسانيَّة.

وبجانب كلِّ هذا الالتزام، ينبغي أن لا ننسى تفسير كلام الله الذي يتمّ كلَّ مرَّة تجتمع الكنيسة للاحتفال بالأسرار المقدَّسة. في هذا المجال، المقدَّمة إلى كتاب القراءات في القداس الذي يُعلَن في الإفخارستيّا، تذكِّرنا: "بما أنَّه مُنح شعب الله الجديد، بمشيئة المسيح ذاته، تنوُّعًا عجيبًا من الأعضاء، فالوظائف والمهمّات التي تعود إلى كلِّ واحد بالنسبة إلى كلام الله، هي أيضًا متنوِّعة؛ فالمؤمنون يسمعون هذه الكلمة ويتأمَّلونها، ويقدِّمها فقط أولئك الذين نالوا، بالرسامة، مهمَّة السلطة التعليميَّة، أو الذين كُلِّفوا بهذه الخدمة عينها. فالكنيسة، في تعليمها وحياتها وشعائر عبادتها ، تخلّد وتنقل باستمرار إلى كلِّ جيل، كلّ ما هو في ذاتها، وكلّ ما تؤمن به: بهذه الطريقة وعلى مدِّ الأجيال، هي تَنشدّ على الدوام إلى ملء الحقيقة الإلهيَّة، إلى أن يتمّ فيها كلامُ الله"[58].

العهد القديم والعهد الجديد، تدبير خلاصيّ واحد

17. ولا يمكن أن نكون راضين كلَّ الرضى عن المعرفة والممارسة اللتين يمتلك عن الكتب المقدَّسة عددٌ كبير من الناس. وبالنظر إلى صعوبات لم تجد لها حلاًّ، نلاحظ بعض المرّات حيرة أمام بعض الصفحات في العهد القديم التي تبدو صعبة، ومعرَّضة للتهميش، وللاختيار الاعتباطيّ، وللرفض. فبحسب إيمان الكنيسة، ينبغي أن ننظر إلى العهد القديم على أنَّه جزء من بيبليا المسيحيّين الواحدة، فيعترفون بقيمتها الثابتة، وبالعلاقة التي تربط العهدين[59]. تتبعُ كلَّ هذا حاجة إلى تنشئة ملحَّة إلى القراءة المسيحيَّة للعهد القديم. وتعيننا، في ذلك، ممارسة ليتورجيَّة تعلن دومًا العهد القديم على أنَّه صفحة أساسيَّة من أجل فهم العهد الجديد فهمًا كاملاً، كما يشهد يسوع نفسه على ذلك في حدث تلميذي عمّاوس حيث قيل إنَّه "بدأ بموسى، فوصل إلى كلِّ الأنبياء، شارحًا ما جاء عنه في جميع الكتب المقدَّسة" (لو 24: 2). فقراءات العهد القديم الليتورجيَّة، تقدِّم أيضًا مسيرة ثمينة من أجل اللقاء العضويّ والمفصليّ مع النصّ المقدَّس. وهو يقوم، في الوقت عينه، في استعمال مزمور يدعو إلى الصلاة والتأمُّل في ما أعلن، وفي تقارب موضوعيّ بين القراءة الأولى والإنجيل، في نظرة شاملة إلى سرِّ المسيح. فبحسب القول القديم، العهد الجديد خفيّ في القديم، والعهد القديم مكشوف في الجديد[60].

وأعلن القدّيس غريغوار الكبير: "ما وعد به العهدُ القديم، بيَّنه العهد الجديد؛ ما أُعلن في شكل محجوب، يُعلَن بوضوح وكأنَّه حاضر. وهكذا يكون العهد القديم نبوءة الجديد. وأفضل تفسير للعهد القديم نجده في الجديد"[61].

أمّا في ما يخصّ العهد الجديد، الذي هو بالحقيقة الأقرب إلينا في ما يخصّ المعرفة البيبليَّة، وبفضل غنى كتاب القراءات في القداس وليتورجيَّة الساعات، فينبغي أن نذكِّر بالقيمة المركزيَّة للأناجيل، بحيث تُعلَن كلُّها على مدِّ ثلاث سنوات في حلقة الأعياد الليتورجيَّة، وكلّ سنة في أيّام البطالة، هذا دون أن ننسى التعليم العظيم الذي يقدِّمه بولس وسائر الرسل[62].

أسئلة حول الفصل الأوَّل

1- معرفة كلام الله في تاريخ الخلاص

أيَّ فكرة يمتلكها المؤمنون (الرعايا، الجماعات الدينيَّة، الحركات الرسوليَّة) عن الوحي، وكلام الله، والبيبليا، والتقليد، والسلطة التعليميَّة؟ هل يدركون مختلف مستويات مدلول كلام الله؟ وهل يفهمون أنَّ يسوع المسيح هو مركز كلام الله؟ ما هي العلاقة بين كلام الله والبيبليا؟ ما هي الوجهات التي لا تُفهَم كثيرًا؟ لماذا؟

2- كلام الله والكنيسة

بأيِّ قدر تنمِّي المقاربة إلى كلام الله الوعيَ الحيَّ بالانتماء إلى الكنيسة، جسد المسيح، وتقوم بالتعبئة من أجل الرسالة الكنسيَّة الصحيحة؟ كيف تُفهَم العلاقة بين كلام الله والكنيسة؟ والعلاقة الصحيحة بين البيبليا والتقليد، هل بقيت حاضرة في الدراسة التأويليَّة واللاهوتيَّة، وفي اللقاءات مع الكتب المقدَّسة؟ وهل تنقاد الفقاهةُ لكلام الله وتقدِّر الكتبَ المقدَّسةَ حقَّ قدرها؟ كيف ندرك أهمّيَّة السلطة التعليميَّة ومسؤوليَّتها في المناداة بكلام الله؟ هل هناك إصغاء إيمانيّ حقيقيّ لكلام الله؟ ما هي الوجهات الواجب توضيحها وتقويتها؟

3- تعليمات الكنيسة الإيمانيَّة حول كلام الله

كيف قُبل الدستور العقائدي كلام الله وكتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة؟ ما هو دور سلطة الأساقفة التعليميَّة الخاصَّة في رسالة كلام الله؟ ما هي مهمَّة الخدّام المرسومين، من كهنة وشمامسة، في إعلان الكلمة (نور الأمم 25: 28)؟ أيَّة علاقة يجب أن تكون بين كلام الله والحياة المكرَّسة؟ كيف يكون كلامُ الله جزءًا من تكوين كهنة المستقبل؟ إلى أيِّ توجُّهات يحتاج اليوم شعبُ الله بالنظر إلى كلام الله، وبشكل خاصّ الكهنة والشمامسة والأشخاص المكرَّسون والعوام؟

4- البيبليا كلام الله

ما هي الأسباب التي تجعل المسيحيّين يطلبون البيبليا اليوم؟ ماذا تحمل إلى حياة الإيمان؟ كيف يستقبلها العالم اللامسيحيّ؟ وأهل الثقافات؟ هل نستطيع الكلام عن مقاربة دومًا صحيحة إلى الكتب المقدَّسة؟ ما هي النقائص الأكثر شيوعًا؟ كيف تُفهَم موهبة الإلهام وحقيقة الكتب المقدَّسة؟ هل يُؤخَذ بعين الاعتبار المعنى الروحيّ للكتاب على أنَّه المعنى الروحيّ الأخير الذي أراده الله؟ كيف يُقبَل العهد القديم؟ إذا كانت هناك عودة أكثر فأكثر إلى الأناجيل، هل نستطيع القول إنَّ معرفتها وقراءتها كافيتان؟ ما هي اليوم الصفحات البيبليَّة التي تُعتبر أنَّها "الأصعب" بحيث يجب معالجتها؟

5- الإيمان بكلام الله

ما هي مواقف المؤمنين تجاه كلام الله؟ وهل يُسمَع الكلام بإيمان صار متوخِّيًا ولادة الإيمان؟ ما هي الأسباب التي تقود إلى قراءة البيبليا؟ هل يمكن أن نشير إلى مقاييس التمييز بالنسبة إلى التقبُّل المؤمن لكلام الله؟

6- مريم وكلام الله

لماذا مريم هي المربِّية والأمُّ في الإصغاء إلى كلام الله؟ كيف تقبَّلته وعاشته؟ كيف يمكن أن تكون مريم مثالاً للمسيحيّ الذي يصغي إلى كلام الله، ويتأمَّله، ويعيشه؟

الفصل الثاني

كلام الله في حياة الكنيسة

"كذلك تكون كلمتي، تلك التي تخرج من فمي. لا ترجع فارغة إليّ، بل تفعل ما شئتُ أن تعمله وتنجح في ما أرسلتها له" (أش 55: 11).

الكنيسة تولد وتحيا من كلام الله

18. تعترف الكنيسة أنَّها مدعوَّة وتُولَد باستمرار بفعل كلام الله؛ لذا تكون الأولى "للإصغاء بورع"[63] لكي تعلن هذا الكلام بقوَّة ومحبَّة، وذلك بشكل متواصل، فتترك الكلمة تجتاحها وتلامسها في العمق، فتتقبَّلها بإيمان متواضع وواثق، مقتدية بمريم، التي أصغت إلى الكلمة وعملت بها (لو 1: 38)، لهذا جعلها الربُّ مثالاً للكنيسة.

في هذا المنظار من الالتصاق بالكلمة، تلاقي الجماعة المسيحيَّة الكتابات المقدَّسة. "ففي الكتب المقدَّسة، يتقدّم الآب الذي في السماوات بشكل محبّ، إلى لقاء أبنائه، ويبدأ حوارًا معهم"[64]. وهكذا الكتب هي في قلب الكنيسة وبين يديها بشكل "رسالة يبعث بها الله إلى البشر"[65]، كتاب حياة، موضوع إجلال عميق، كما بالنسبة إلى جسد المسيح نفسه[66]،وهي تكتشف فيها مخطَّط الله من أجلها، من أجل عالم البشر وعالم الأشياء. لهذا "تعتبرها هي والتقليد، قاعدةَ الإيمان السامية"، فتعلنها بقوَّة، واللقاء مثل "غذاء النفس، والينبوع النقيّ الذي لا ينضب للحياة الروحيَّة"[67].

من الكنيسة يتقبَّل المسيحيّ البيبليا، ومع الكنيسة يقرأها، ويقاسم روحها وأغراضها، وهو راغب في أن يدرك الهدف الرفيع لكلِّ لقاء مع الكلمة، كما علَّمنا يسوع: تحقيق مشيئة الله في حياة من الإيمان، والرجاء، والمحبَّة، في اتِّباع المسيح (لو 8: 19-21).

كلام الله يساند الكنيسة على مدِّ تاريخها

19. استقاء القوَّة من الكلمة هي معطية ثابتة في حياة شعب الله، منذ تكلَّم النبيّ إلى شعبه، ويسوع إلى الجموع، وإلى تلاميذه، والرسل إلى الجماعة الأولى، وحتّى أيّامنا. إذًا ينبغي أن ندرس بانتباه كيف أنَّ حضور الكلمة، ولاسيَّما في شهادة البيبليا، تطبع بطابعها مختلف الحقبات في العالم البيبليّ وفي تاريخ الكنيسة.

ففي زمن الآباء، كانت الكتب المقدَّسة في الصدارة كينبوع يستقون منه اللاهوت والروحانيَّة والحياة الرعائيَّة. فالآباء معلِّمون لا يُضاهَون في قراءة الكتاب قراءة "روحيَّة"، وهي حين تكون صحيحة، ليست تدمير "الحرف"، أي المعنى التاريخيّ الموثوق، بل أيضًا إمكانيَّة قراءة الحرف في الروح. في العصر الوسيط، شكَّلت الصفحات المقدَّسة أساس التفكير اللاهوتيّ؛ وإذا أرادوا مقاربته كما ينبغي، صاغوا تعليم المعاني الأربعة (الحرفيّ، والاستعاريّ، والأدبيّ، والتفسيريّ والارتقائي)[68]؛ وبحسب الإرث القديم، شكَّلت القراءة الربّيَّة الشكل الرهبانيّ للصلاة؛ إنها ينبوع الإلهام في الفنّ؛ وتنتقل إلى الشعب في عدَّة أشكال من الكرازة والتقوى الشعبيَّة[69]. وفي أيّامنا، ولادة الروح النقديَّة، والتقدُّم العلميّ، والانقسام بين المسيحيّين والالتزام المسكونيّ الذي ينتج عنه، كلُّ هذا يشجِّع، مع الصعوبات والمقاومات، على منهجيَّة من التقارب صائبة، وفَهْم أفضل لسرِّ الكتاب في قلب التقليد. واليوم، أمامنا مشروع تجديد مؤسَّس على مركزيَّة كلام الله الذي كان المجمع الفاتيكانيّ الثاني العامل الكبير فيه.

إضافة إلى التعددية التاريخية للصيغ، علينا أن نتكلم على التعددية الجغرافية؛ فبفضل اتصال دائم بالبيبليا بشكل خاص، ينتشر كلام الله، ويؤنجِل الكنائسَ الخاصة في القارات الخمس؛ هو يتثاقف فيها تدريجيًّا، فيصبح الروحَ المحييَ لإيمان شعوب عديدة، والعاملَ الأساسيَّ للشراكة في الكنيسة، والشهادة على غنى لِسِرِّه لا ينضب، والينبوع الدائم للوحي وتحوّل الثقافات والمجتمعات.

بقوَّة الروح القدس، يلج كلامُ الله كلَّ حياة الكنيسة وينعشها

20. إنَّ الروح القدس، الذي يوجِّه الكنيسة إلى ملء الحقّ (يو 16: 13)، يُفهِم المعنى الحقيقيّ لكلام الله، فيقود في النهاية إلى لقاء الوحي مع الكلمة ذاته، ابن الله، يسوع الناصريّ، موحي الآب. فالروح هو حياة الكتب المقدَّسة ومفسّرها، وهذه الكتب هي كلام الله الذي كُتب بإلهامه. من هذا القبيل، ينبغي أن يُقرأ الكتاب المقدَّس "ويفسَّر بالروح ذاته الذي كتبه"[70]. فبقيادة الكنيسة، تسعى الكنيسة "للتوصُّل إلى معرفة للكتب المقدَّسة تتعمَّق يومًا بعد يوم"[71]، لكي تغذّي أبناءها، فتستعمل بشكل خاصّ دراسة الآباء القدّيسين في الشرق والغرب، والبحث التأويليّ واللاهوتيّ، كما أيضًا حياة الشهود والقدّيسين.

في هذا الإطار، ثمينٌ هو التوجيه الذي تشير إليه مقدِّمة كتاب القراءات في القداس حيث يُقال: "إذا أردنا أن يعطي كلام الله حقًّا في القلوب ما يتردَّد في الآذان، فعمل الروح القدس ضروريّ: فبإلهامه وبمساعدته يصبح كلامُ الله أساسَ العمل الليتورجيّ، وقاعدةَ الحياة كلِّها وسندَها. فلا يقوم عمل الروح فقط بتهيئة العمل الليتورجيّ كلِّه ومرافقته واتِّباعه، بل يحرِّك في قلب كلِّ واحد (يو 14: 15-17، 25-26؛ 15: 26-16: 15) ما يُقال في إعلان كلام الله من أجل جماعة المؤمنين كلِّهم. وإذ يقوّي وحدة الجميع، ينعش أيضًا تنوُّع المواهب، ويدفع إلى العمل بأشكال متعدِّدة"[72].

فالجماعة المسيحيَّة تُبنى كلَّ يوم تاركةً كلام الله يوجِّهها بفعل الروح القدس، فتستقبل عطيَّة الاستنارة والاهتداء والعزاء التي يمنحها الروح عبر الكلمة: "فما كُتب في الماضي إنَّما كُتب لتعليمنا، بحيث إنَّ الصبر والعزاء اللذين تعطي الكتب يمنحاننا الرجاء" (رو 15: 4).

فواجب الكنيسة، منذ البداية، هو مساعدة المؤمنين على فهم مدلول اللقاء مع كلام الله بقيادة الروح. كيف يتمُّ ذلك؟ بشكل خاصّ في قراءة البيبليا قراءة روحيَّة؛ في أيِّ معنى يوحِّد الروح من الداخل، البيبليا والتقليد والتعليم الرسميّ؟ أيُّ موقف يكون موقف المؤمن الذي يقوده الروح القدس الذي ناله في المعموديَّة ومختلف الأسرار؟ وقد أعلن بطرس الدمشقيّ: "من اختبر المعنى الروحيّ للكتب المقدَّسة، عرف أنَّ معنى أبسط كلمة في الكتب المقدَّسة، ومعنى الكلمة الأكثر علمًا والخارقة، معنى واحد، وهو يتوخّى خلاص الإنسان"[73].

الكنيسة تغتذي بالكلمة في أشكال عديدة

21. "[ينبغي] على كرازة الكنيسة كلِّها والديانة المسيحيَّة نفسها، أن يغذِّيهما الكتاب المقدَّس ويوجِّههما"[74]. وهذا التمنّي الذي تسنده الصلاة، كما يقول بولس، "لكي تُتمَّ كلمةُ الربّ جَرْيَها وتُمجَّد" (2تس 3: 1)، هو في طريق التحقيق، بحسب أشكال متنوِّعة، في مختلف أوساط حياة الكنيسة وتعابيرها. وهي مسيرة تفرض التنبُّه الإيمانيّ، والتفاني الرسوليّ، والعنايات الرعائيَّة الفاهمة، والخلاّقة، والمتواصلة، في تعليم ينطلق من خبرة يتقاسمونها. فالرعاية البيبليَّة، أو بالأحرى الرعاية التي تستلهم دومًا البيبليا، هي ما يعرض اليوم على كلِّ جماعة كنسيَّة.

في هذا الإطار من الوحدة والتفاعل، يجب أن يُعتَرَف ملء الاعتراف بالديناميَّة التي تؤسِّس لقاءنا مع كلام الله وتسانِده، وهي ديناميَّة تمثِّل قاعدة كلِّ عمل رعائيّ في الكنيسة: فالكلمة التي تُعلَن وتُسمع تطلب أن تكون كلمة احتفاليَّة عبر الليتورجيّا والحياة الأسراريَّة في الكنيسة، لكي تُعرَف باعثًا على الحياة بحسب الكلمة، عبر خبرة المشاركة، والمحبَّة، والرسالة[75].

أ- في الليتورجيّا وفي الصلاة

22."ولكي يظهر بوضوح الاتِّحاد الحميم بين الطقس والكلمة في الليتورجيّا"[76]، تعلَّمت الكنيسة أن تكتشف الإله الذي يتكلَّم، وتقبله في الصلاة الشخصيَّة كما في الصلاة الجماعيَّة، ولكن بشكل خاصّ في الصلاة الليتورجيَّة. فالكتب المقدَّسة هي واقع ليتورجيّ ونبويّ: هي أكثر من سفر مكتوب، هي إعلان الروح القدس وشهادته بالنسبة إلى حدث المسيح. هذا ما أتاح انتشار معرفة الكتب المقدَّسة والحبّ لها، ولكنَّ هناك على الدوام طريقًا نتبعه لكي نحقّق روح المجمع الفاتيكاني الثاني ونصّه حول استعمال الكلمة في الليتورجيّا. يُفرَض مجهود من التجديد النوعيّ والكمّيّ، مع تذكير المؤمنين ببعض التعليمات التي يقترحها المجمع، والتفكير فيها معهم.

في هذا المجال، نذكر المعطية الأساسيَّة أنَّ المسيح هو "هنا حاضر في الكلمة، لأنَّه هو الذي يتكلَّم حين تُقرأ الكتب المقدَّسة في الكنيسة"[77]. وهكذا يكون للكتاب المقدَّس أهمِّيَّة قصوى في الاحتفال الليتورجيّ"[78]. هذا يقود إلى تنبُّه مميَّز لكلِّ أشكال اللقاء مع الكلمة خلال العمل الليتورجيّ: في الإفخارستيّا (يوم الأحد)، وفي الأسرار، وفي الكرازة من خلال العظة، وخلال السنة الليتورجيَّة، وفي ليتورجيَّة الساعات، وفي الرتب، وفي مختلف أشكال التقوى الشعبيَّة وفي الفقاهة الأسراريَّة.

وتعود المكانة الأولى إلى الإفخارستيّا على أنَّها "مائدة كلام الله ومائدة جسد المسيح"[79] المرتبطتان ارتباطًا حميمًا، وبشكل خاصّ في "يوم الربّ". "إنها الموضع المميّز حيث الشراكة تُعلَن على الدوام وتُصان"[80]. ونأخذ في عين الاعتبار، بالنسبة إلى الكثير من المؤمنين، بأنَّ قدّاس الأحد، الذي هو الوقت الرئيسيّ للقاء مع كلام الله، يبقى حتّى اليوم نقطة اللقاء الوحيدة مع كلام الله. انطلاقًا من هنا ينبغي أن يُولَد شغف حقيقيّ رعائيّ للاحتفال بصدق وفرح، ولعيش اللقاء مع الكلمة في إفخارستيَّة الأحد.

وفي شكل ملموس، ينبغي أن نعتني قدر الإمكان بليتورجيَّة الكلمة، في الإفخارستيّا قبل كلِّ شيء، وفي سائر الأسرار، وفي إعلان النصوص بشكل واضح ومفهوم في الكرازة الوعظيَّة التي هي صدى الكلمة الشفّاف والمشجِّع، فنساعد على تفسير أحداث الحياة والتاريخ على ضوء الإيمان، في صلاة المؤمنين التي تكون جواب مديح ونعمة، وطلبًا إلى الله الذي كلَّمنا. وترتيب قراءات القدّاس[81]، شأنه شأن الصلاة في الفرض الإلهيّ، يفترض تنبُّهًا خاصًّا جدًّا. فلا بدَّ من أن نفكِّر اليوم في طريقة جعل هذه القنوات الهامَّة لكلام الله أكثر ملاءمة على المستوى الرعائيّ، وفي متناول المؤمنين.

ب- في الأنجلة وفي الفقاهة

23. "فمن كلمة الكتاب تتغذّى خدمةُ الكلمة، أي الكرازة الرعائيّة، والفقاهة، وكلّ التعاليم المسيحيّة، حيث يكون للعظة الليتورجيَّة المكانة المميَّزة، تتغذّى بشكل خلاصيّ، وتجد عزمها المقدَّس"[82]. وقد أكَّد يوحنّا بولس الثاني أنَّ "الأنجلة والفقاهة [...] يتَّخذان عزمًا جديدًا، ولا سيَّما وقتَ التنبُّه إلى كلام الله"[83]. إنَّها إحدى الثمار المنظورة في المجمع الفاتيكاني الثاني. وينبغي أن تتواصل الطريق، وتمتدّ وتُهَيَّأ عبر تجدُّد اليقينات وتقدمة الخدمة. فالكنيسة تعرف أنَّها ساعة تتقبَّل موهبة كلام الله ككنـزها الأثمن، تأخذ على عاتقها المهمَّة الأرفع التي هي مهمَّتها: إعطاؤها من جديد للبشر جميعًا[84]. ويحسن بنا هنا أن نذكِّر، على سبيل المثال، ببعض وجهات خدمة الكلمة، المجملة في التبشير الأوَّل والفقاهة، على مدِّ السنة الليتورجيَّة كما في مسيرة التنشئة المسيحيَّة والتكوين المستمرّ[85].

في هذا الهدف نأخذ في عين الاعتبار أشكال نقل الكلمة، والمتطلِّبات الجديدة دومًا لدى مؤمنين من أعمار وظروف روحيَّة وثقافيَّة واجتماعيَّة مختلفة، بحسب ما يشير إليه الدليل العامّ للتعليم المسيحيّ وتوجيهات التعليم المسيحيّ في مختلف الكنائس المحلّيَّة[86]. في هذا السياق الخاصّ، ينبغي التنبُّه إلى نور صادق وتنقية العاطفة الدينيَّة الشعبيَّة وتقييمها بواسطة كلام الله الذي تستقي منه مرارًا. وينبغي بشكل خاصّ أن تُبرَز وساطات الكلمة الحاضرة في الكنيسة، وقد ذكرناها من قبل: كتب القراءات، ليتورجيّة الساعات، التعليم المسيحيّ، الاحتفال بالكلمة، الخ.

والدور المهمّ في الأنجلة هو دور اللقاء المباشر مع الكتب المقدَّسة. إنَّه غرض أوَّل: "ينبغي أن تكون الفقاهة، في شكل ملموس، مقدِّمة أصيلة للـقراءة الربّيَّة، لقراءة الكتاب المقدَّس التي تتمُّ ’بحسب الروح‛ الساكن في الكنيسة"[87]، مع مضمون مركزيّ: "ينبغي أن تتشرَّب وتتشبّع الفقاهة من الفكر والروح والمواقف البيبليّة والإنجيليّة، عبر اتِّصال متواصل مع النصوص عينها"[88].

وبالنظر إلى هذه المهمَّة، وبشكل خاصّ على المستوى الثقافيّ، ينبغي أن يُقيَّم تعليم البيبليا في المدرسة، ولاسيَّما في التعليم الدينيّ. فكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة الذي يلعب دورًا خاصًّا على أنَّه "أداة مقبولة ومسموح بها في خدمة الجماعة الكنسيَّة، ومثل قاعدة أكيدة من أجل تعليم الإيمان"[89]، لا يعلن أبدًا أنَّه يحلُّ محلّ الفقاهة البيبليَّة، بل هو يكمِّلها في نظرة مستوفية إلى الكنيسة.

وينبغي أن يصل كلام الله إلى الجميع، بمن فيهم الأميّون، وينبغي بشكل خاصّ أن ينعم بالإمكانات العديدة التي هي اليوم في متناول وسائل الاتِّصال. لهذا، ومن أجل خدمة كلام الله خدمة فاعلة، ينبغي تقييم وسائل الاتِّصال الاجتماعيَّة تقييمًا آنيًّا وخلاّقًا.

وبالنظر إلى التحوُّلات الثقافيَّة والاجتماعيَّة الهامَّة الحاصلة، من الضروريّ أن نميِّز فقاهة تساعد على شرح "الصفحات الصعبة" في البيبليا، في نظام التاريخ والعمل والمسألة الخلقيَّة، وأن نشير إلى وسائل الحلّ ببعض أشكال تمثِّل الله، والرجل والمرأة، والعمل الخلقيّ بشكل خاصّ في العهد القديم.

ج- في التأويل وفي اللاهوت

24. "لهذا ينبغي أن تكون دراسة الكتابات المقدَّسة روح اللاهوت المقدَّس"[90]. ومن الأكيد أنَّ الثمار المقطوفة في هذا المجال على التوالي من المجمع الفاتيكاني الثاني، تدفعنا إلى مديح الله من أجل نعمة روح الحقّ. ومن جهة ثانية، نصب كلامةُ الله خيمته بيننا (يو 1: 14)، فتأكَّد أنَّ هذا الروح عينه يدفعنا إلى التأمُّل في مسيرات جديدة يمكن تحقيقها وسط أناس عصرنا، فيدعونا إلى تقويم الانتظارات والتحدِّيات التي تطلقها البشريَّة المعاصرة على كلمة الله.

ويبرز اليوم سؤال هامّ، وقد عُبِّر عنه بوضوح: التزام المؤَوِّلين واللاهوتيّين في دراسة الكتب المقدسة وشرحها بحسب مفهوم الكنيسة، في تفسير كلام الله وعرضه في إطار التقليد الحيّ، وعكس ذلك، في تقييم إرث الآباء، في توافق مع تعليمات السلطة التعليميَّة ومساعدتها وبصدق وفهم في المهمَّة التي هي مهمَّتها[91].

في هذا الإطار، يبدو مفيدًا أن ننبِّه إلى النظرة التي رسمتها الرسالة وثيقة تنشئة الكهنة (Optatam totius) في عصرها بالنسبة إلى تعليم اللاهوت، وبالتالي إلى المنهجيَّة المنظَّمة لتكوين الرعاة على المستوى اللاهوتيّ؛ فالنظرات المرسومة هنا ما زالت تنتظر أن يتحقَّق منها الجزء الكبير. ومع ذلك، فالخطّ المعروض، انطلاقًا من المواضيع البيبليَّة، يقدِّم طريقًا تكفل، في مسيرة البحث والتعليم، شميلة للكهنة ولشعب الله. فالعودة إلى هذه التعليمات المجمعيَّة تشكِّل إغناءً لكلمة الله الملموسة في النظرات التعليميَّة لدى مختلف النظم اللاهوتيَّة، وفي جدليَّة متواصلة مع سامع الثقافة[92].

ويُفرَض تنبُّه خاصّ إلى العلاقة بين وحي الله وفكر الإنسان المعاصر وحياته. في هذا المنظار، تُفرَض مهمَّة التفكير، على ضوء كلام الله، في الاتِّّجاهات الأنتروبولوجيَّة الحاليَّة، حول العلاقة بين الإيمان والعقل "اللذين هما مثل جناحين يتيحان للفكر البشريّ أن يرتفع إلى مشاهدة الحقيقة"[93]، هما وسيطان للحقيقة الواحدة الآتية من عند الله، وحول الحوار مع الديانات الكبرى من أجل تحقيق عالم أكثر عدالة وسلامًا، باسم الله.

وتنتظر الجماعة المسيحيَّة من الأخصّائيّين أن يُعِينُوا بغيرة، وبفضل "موادّ موافقة"، خدّامَ كلام الله لكي يقدِّموا لشعب الله "طعام الكتب الذي ينير الفكر ويقوّي الإرادة ويحثُّ قلوب البشر على محبَّة الله"[94].

د- في حياة المؤمن

25."من جَهِلَ الكتب المقدسة، جَهِلَ يسوعَ المسيح"[95]. "لهذا، فمن الضروريّ أن يتعلَّق الإكليروس والعوام بالكتب من خلال قراءة جادَّة ودراسة متقنة"[96].

فمع التقدُّم الفقاهيّ، يشكّل التقدّم الروحيّ إحدى أجمل الوجهات الواعدة في جري كلام الله في شعبه. أن يلتقي المسيحيّ بالكلمة، أن يصلّيها، أن يعيشها، تلك هي دعوته السميا. "إليها يلجأ المؤمنون والجماعات في مدى واسع"[97]،كما قال يوحنّا بولس الثاني. ولكن يجب أن يكثر العدد، وتوافق صفةُ التقارب أهدافَ الكلمة في اتِّفاق مع خدمة الكنيسة. ولكي تكون روحانيَّة الكلمة موثوقًا بها، نذكّر "بأنَّه ينبغي على الصلاة أن ترافق قراءة الكتاب المقدَّس لكي يقوم حوار بين الله والإنسان، لأنَّنا إلى الله نتوجَّه حين نصلّي، وهو الذي يسمعنا حين نقرأ الأقوال الإلهيَّة"[98]. وهذا ما أثبته أوغسطينوس: "صلاتك هي كلمة توجِّهها إلى الله. فحين تقرأ البيبليا، الله هو الذي يكلِّمك، وحين تصلّي، فأنت تكلِّم الله"[99]، وهذا ما يقودنا إلى الأخذ بعين الاعتبار ببعض الوجهات، فنعتبرها أوَّليَّة أو مفضَّلة.

في درجة أولى، نقارب كلام الله بنَفْس المساكين، باطنًا وخارجًا، وهذا ما يوافق ملء الموافقة كلمة الله، "ربّنا يسوع المسيح الذي صار لأجلكم فقيرًا، وهو الغنيّ، لكي يغنيكم بفقره" (2كو 8: 9)، هي طريقة حياة مؤسَّسة على طريقة بها يسمع يسوع كلام الآب ويعلنه لنا، في تجرُّد تامّ عن الأشياء، واستعداد دائم لحمل البشارة إلى المساكين (لو 4: 18). "هي مناسبة فرح أن نرى البيبليا في أيدي أناس وضعاء، مساكين، يستطيعون أن يحملوا إلى تفسيرها وتأويلها نورًا والجًا، على المستوى الروحيّ كما على مستوى علم أكيد من نفسه"[100].

في درجة أولى ينبغي أن نشجِّع بحرارة ممارسة البيبليا، التي تعود إلى الأصول المسيحيَّة والتي رافقت الكنيسة على مدِّ تاريخها. يدعوها التقليد القراءة الربّيَّة، مع مختلف مراحلها (قراءة، وتأمُّل، ودعاء، ومشاهدة)[101]. موضعُها هو في الخبرة الرهبانيَّة، واليوم يقدِّمها الروح، عبر السلطة التعليميَّة، إلى الكهنة[102]، وإلى الجماعات في الرعايا، وإلى الحركات الكنسيَّة، وإلى الأسر، وإلى الشبّان[103]. وقد كتب يوحنّا بولس الثاني: "بشكل خاصّ، من الضروريّ أن يصبح الإصغاء إلى الكلمة لقاء حياة، بحسب تقليد قديم وآني على الدوام، تقليد القراءة الربيَّة، التي تتيح لنا أن نستقي من النصّ البيبليِّ الكلمة الحيَّة التي تكلِّم حياتنا وتوجِّهها وتكوِّنها"[104]؛ بفضل استعمال أساليب جديدة تَمَّ التفكير بها بعمق، وتوافق زمننا"[105]. وبشكل خاصّ، دعا الأب الأقدس بنديكتُوس السادس عشر الشباب "إلى اقتناء إلفة مع البيبليا، بحيث تكون في متناول اليد مثل بوصلة تدلُّ على الطريق التي ينبغي اتّباعها"[106]. وذكَّر الجميع بـ"قراءة مثابرة للكتاب المقدَّس، ترافقها الصلاة، فتحقِّق الحوار الحميم، فنصغي حين نقرأ، نصغي إلى الله الذي يتكلَّم، وحين نصلّي نتجاوب معه في انفتاح القلب الدافق"[107].

والجديد في القراءة الربّيَّة في شعب الله يفرض تكوينًا مستنيرًا، صبورًا، متواصلاً، لدى الكهنة، والرهبان المكرَّسين، والعوام، بحيث يتحقَّق تقاسم خبرات إلهيَّة يدفع إليها الكلام المسموع[108]. فكلام الله ينبغي أن يكون الينبوع الأوَّل الذي يلهم الحياة الروحيَّة في الجماعة، في مختلف ممارساتها، مثل التمارين الروحيَّة، والرياضات، والعبادات، والخبرات الدينيَّة. الغرض الهامّ (ومعيار الصدقيَّة) هو أن ينضج كلُّ واحد في اتِّجاه قراءة شخصيَّة للكلمة في نظرة فاهمة، ومن أجل تمييز مسيحيّ للواقع، وإمكانيَّة إعطاء جواب عن الرجاء (1بط 3: 15)، وشهادة قداسة. ذكَّرنا القدّيس قبريانوس بفكرة تَشارَكَ فيها مع الآباء: "إنكبَّ باستمرار على الصلاة والقراءة الربّيَّة؛ فحين تصلّي تُكَلِّمُ الله، وحين تقرأ يكلِّمك الله"[109].

"سراج لخطاي، ونور لسبيلي" (مز 119: 105). فالربُّ الذي يحبُّ الحياة، يودُّ أن ينير بكلمته كلَّ حياة المؤمنين في كلِّ الظروف، ويوجِّهها ويجعلها معزّيةً لهم، سواء في عملهم، أو تسلياتهم، أو آلامهم، أو التزاماتهم العائليَّة والاجتماعيَّة، أو في كلِّ صوت حزين أو مفرح، بحيث يستطيع كلُّ إنسان أن يميّز كلُّ شيء ويحتفظ بما هو حسن (1تس 5: 21)، وهكذا يتعرَّف إلى مشيئة الله ويضعها موضع العمل (مت 7: 21).

أسئلة حول الفصل الثاني

1- كلام الله في حياة الكنيسة

أيَّةُ أهمِّيَّة تُمنَح لكلام الله في حياة جماعاتنا وفي حياة المؤمنين؟ كيف يصبح كلامُ الله غذاء للمسيحيّين؟ هل هناك خطر تحجيم المسيحيَّة إلى ديانة الكتاب؟ كيف يُكرَّم كلام الله وأيَّة قرابة لنا معه في حياتنا الشخصيَّة وفي حياة المؤمنين الجماعيَّة يوم الأحد؟ وأيّام البطالة؟ وفي الأزمنة القويَّة من السنة الليتورجيَّة؟

2- كلام الله في تكوين شعب الله

ما هي المبادرات التي بحسبها يُنقل التعليم الكامل والإجماليّ عن كلام الله إلى جماعاتنا وإلى كلِّ مؤمن؟ وكهنة المستقبل والأشخاص المكرَّسون والمسؤولون عن الخدم في قلب الجماعات (معلِّمو التعليم المسيحيّ، الخ)، هل كُوِّنُوا من أجل الإنعاش البيبليّ الرعائيّ، وبشكل مناسب وحسب تجدُّد مستمرّ؟ هل هناك مشاريع مثمرة من أجل العوام؟

3- كلام الله، والليتورجيّا والصلاة

كيف يقارب المؤمنون كلام الله في الصلاة الليتورجيَّة وفي حياتهم الشخصيَّة؟ أيَّ رباط يدركون بين ليتورجيَّة الكلمة والليتورجيّا الإفخارستيَّة؟ بين الكلمة التي نحتفل بها في الإفخارستيّا وحياة المسيحيّين اليوميَّة؟ هل تعكس العظة حقًّا كلام الله؟ أيَّة حاجات تظهر؟ هل يرافق الإصغاء إلى كلام الله سرَّ المصالحة؟ وهل يُحتفل بفرض الساعات (صلاة الفرض) على أنَّه إصغاء إلى كلام الله وحوار معه؟ هل تمتدُّ هذه الممارسة أيضًا إلى شعب الله؟ هل نستطيع القول إنَّ هناك إمكانيّات كافية من اتِّصال شعب الله مع البيبليا؟

4- كلام الله، الأنجلة والفقاهة

على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني والسلطة التعليميَّة في الكنيسة، ما هي الوجهات الإيجابيَّة والمسائل التي نشعر بها في علاقة كلام الله بالفقاهة؟ كيف يُعالَج كلام الله في مختلف أشكال الفقاهة (التنشئة والتكوين المستمرّ)؟ هل يحظى كلام الله المكتوب بالانتباه الكافي وبالدراسة الكافية في الجماعات؟ إذا كان الجواب نعم، بأية طُرُق؟ كيف يُنشَّأ على البيبليا مختلف فئات الأشخاص (الأولاد، المراهقون، الشبّان، الناضجون)؟ هل هناك دروس تقدِّم للكتب المقدَّسة؟

5- الكتاب المقدَّس، والتأويل واللاهوت

هل يشكِّل كلام الله روح الالتزام التأويليّ واللاهوتيّ؟ هل تُحتَرَم بشكل ملائم طبيعةُ الكلمة الموحاة؟ وهل ينعش البحثَ العلميّ ويسانده فهمٌ مسبق للإيمان؟ ما هي المنهجيَّة المتَّبعة عادة لمقاربة النصّ؟ أي دور يلعب المُعطَى البيبلي في الإعداد اللاهوتي؟ هل نلاحظ في الجماعة اهتمامًا بالرعوية البيبليَّة؟

6- كلام الله وحياة المؤمن

ما هو تأثير الكتب المقدَّسة على الحياة الروحيَّة في شعب الله؟ على الكهنة؟ على الأشخاص المكرَّسين؟ على المؤمنين العوام؟ هل نلاحظ موقف الفقر والثقة الذي كان موقف مريم في نشيد التعظيم؟ لماذا يعيق البحث عن خيور الأرض الإصغاء إلى كلام الله؟ هل شكّل كلامُ الله في الإفخارستيّا وفي سائر الاحتفالات الليتورجيَّة وقتًا قويًّا في نقل الإيمان، أو وقتًا ضعيفًا؟ لماذا يحسُّ مسيحيّون عديدون بالبرودة واللامبالاة تجاه البيبليا؟ هل تمارَس القراءة الربّيَّة؟ بأيِّ شكل؟ ما هي العوامل المؤاتية لها، وتلك المعارضة؟


الفصل الثالث

كلام الله في رسالة الكنيسة

"وجاء يسوع إلى الناصرة، حيث نشأ، ودخل المجمع يوم السبت، على عادته، وقام ليقرأ. فناولوه كتاب النبيّ أشعيا. فلمّا فتح الكتاب وجد المكان الذي ورد فيه:’روح الربِّ عليَّ، لأنَّه مسحني لأبشِّر المساكين، وأرسلني لأنادي للأسرى بالحرّيَّة، وللعميان بعودة البصر، لأحرِّر المظلومين، وأعلن الوقت الذي فيه يقبل الربُّ شعبه‛. وأغلق يسوع الكتاب وأعاده إلى الخادم وجلس. وكلُّهم في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فأخذ يقول لهم: ’اليوم تمَّت هذه الكلمات التي تلوتُها على مسامعكم‛ (لو 4: 16-21).

رسالة الكنيسة هي إعلانُ المسيحِ كلمةِ الله المتجسِّد

26. "أن نتغذّى من الكلمة لكي نكون ’خدّام الكلمة‛ في رسالتنا في حمل الإنجيل، هو بالتأكيد أولويَّة بالنسبة إلى الكنيسة في بداية الألفيَّة الجديدة"[110]. هذا يفترض الذهاب إلى مدرسة المعلِّم، فنلاحظ أنَّ، في قلب كلامه، إعلانَ ملكوت الله (مر 1: 14-15) عبر الأقوال والأعمال، وشهادة الحياة والتعليم. فملكوت الله، الذي ينبته كلام الله، هو ملكوت الحقّ والعدالة، والحبّ والسلام، المقدَّمُ إلى جميع البشر. وإذ تكرز الكنيسةُ بالكلمة، تشارك في بناء ملكوت الله، وتلقي الضوء على ديناميَّته، وتقدِّمه على أنَّه خلاص العالم. إعلان الملكوت ذاك هو الإنجيل الذي تكرز به إلى أقاصي الأرض (مت 28: 19؛ مر 16: 15)؛ ففي هذا الإعلان وفي هذا الإصغاء يتبيَّن صدقُ الإيمان.

وكلام بولس: "الويل لي إن لم أبشِّر" (1كو 9: 16) يرنُّ صداه اليوم بشكل خاصّ، فيصبح لجميع البشر، لا مجرَّد معلومة، بل دعوة إلى خدمة الإنجيل من أجل العالم. فكما يقول يسوع: "الحصاد كثير" (مت 9: 37) ومتنوِّع. وعديدون هم الذين لم يسمعوا الإنجيل يومًا، وبالأخصّ في القارَّتين الآسيويَّة والإفريقيَّة؛ وعديدون أيضًا هم الذين نسوا الإنجيل، ولكن عديدون أيضًا هم الذين ينتظرون هذا الإعلان.

ينبغي أن نقرّ أنَّ الصعوبات التي تعيق سبيل شعب الله للإصغاء إلى الربّ، لم تغب ولا هي غائبة. فلأسباب اقتصاديَّة، تتألَّم مناطق عديدة من نقص مادّيّ للنصوص المقدّسة، من ترجمته وانتشاره. ثمَّ هناك عوائق البدع التي تمنع التفسير الصائب. حَمْلُ الكلمة إذًا هو مهمَّة تتضمَّن الشعور العميق واليقينيّ "مع الكنيسة".

وأوَّل المتطلِّبات هي الثقة بقدرة الكلمة على تحويل قلب السامعين: "حيّة هي كلمة الله [...] تلج حتّى مفرق النفس والروح" (عب 4: 12). والمتطلِّبة الثانية المفروضة والتي يمكن اليوم أن تكون موضع شعور وتصديق، هي إعلان كلام الله، والشهادة له كينبوع اهتداء وبرّ ورجاء وأخوَّة وسلام. والمتطلِّبة الثالثة هي الصراحة، والشجاعة، وروح الفقر، والتواضع، والتماسك، والقلب الكبير من قبل الذي يخدم الكلمة.

والإرشاد الرسوليّ إعلان الإنجيل لبولس السادس، يحتفظ بآنيَّته من أجل تربية على التبشير، بينما رسالة الأب الأقدس بنديكتوس السادس عشر الله محبَّة، تبرز كيف أنَّ المحبَّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإعلان كلام الله والاحتفال بالأسرار[111]."فحين نتقبَّل كلام الله الذي هو حبّ، يلي ذلك أنَّه لا يمكن إعلان الكلمة حقًّا دون ممارسة المحبَّة، والعمل بالعدالة والإحسان. في هذا المنظار من مهمَّة كلام الله المبشِّرة، نجد في صورة إجماليَّة بعض الأغراض وبعض المهمّات التي تقوم بها والتي تُعتبَر مهمَّة في شكل خاصّ"[112].

كتب القدّيس أوغسطينوس: "يقوم ملء الشريعة وكلّ الكتب الإلهية وهدفها على محبَّة الموضوع الذي ينبغي أن ننعم به، ومحبَّة الخليقة التي ينبغي أن تنعم به معنا، لأنَّه لم يكن من الضروريّ توصية الإنسان بأن يحبّ نفسه. رسمت لنا العنايةُ الإلهيَّةُ طريقةَ استعمال الأشياء في الحياة الحاضرة، لكي تعطينا معرفة شريعة الحبّ هذه والسبيل إلى تتمَّتها، من أجل خلاصنا [...]، ونحن نخطئ إن اعتبرنا أنَّنا نفهم الكتب المقدَّسة كلَّها أو بعضًا منها، إذا كانت هذه المعرفة لا تضع فينا محبَّة الله ومحبَّة القريب: هذا يعني أنّنا لم نفهمها ولو قليلاً"[113].

على كلام الله أن يكون في متناول الجميع وفي كلِّ زمان

27. تؤكِّد الكنيسة حرّيَّتها بإعلان كلام الله بصراحة الرسل (أع 4: 13؛ 28: 31)، وتعتبر في الوقت عينه أنّ "الاقتراب من الكتاب المقدَّس، يكون مفتوحًا للمؤمنين واسعًا"[114]. هي متطلِّبة من أجل الرسالة، بل هي اليوم أيضًا أحد مضامينه الأساسيَّة؛ فبالرغم من إلحاحات عديدة، ينبغي القول بأنَّ معظم المسيحيّين لا يملكون اتِّصالاً فاعلاً وشخصيًّا مع الكتب المقدَّسة. والذين يملكون، يعيشون في لايَقِينات لاهوتيَّة ومنهجيَّة هامَّة بالنظر إلى الاتِّصال. فقد لا يكون اللقاء بالبيبليا أمرًا كنسيًّا من المشاركة، بل يعني تعريضها للذاتيَّة والاعتباطيَّة أو تحجيمها في موضوع عبادة خاصَّة، كما أمور أخرى عديدة في الكنيسة. لهذا يصبح ضروريًّا تنمية العمل الرعائيّ، المتين والمصدَّق، للكلمة.

لهذا ينبغي اللجوء إلى مبادرات خاصَّة، مثل تقدير البيبليا ملء قدرها في المشاريع الرعائيَّة، مع مشروع رعائيّ بيبليّ، في الوقت عينه، في كل أبرشية، بتوجيه الأسقف؛ وهكذا نجعل البيبليا أمرًا ملموسًا في الأعمال الكبرى في الكنيسة، ونقدِّم أشكالاً مناسبة من اللقاء المباشر، ولا سيَّما بفضل مسيرة القراءة الربّيَّة لأجل الشباب والراشدين. وإذ نفعل هذا يجب أن نتنبَّه إلى أن تكون المشاركة بين الكهنة والعوام، وبالتالي بين الرعايا، وجماعات الحياة المكرَّسة، والحركات الكنسيَّة، مؤسَّسةً على كلام الله، وتتجلّى فيه.

فيكون من المفيد أن تُنظَّم خدمة خاصَّة بالرسالة البيبليَّة على مستوى الأبرشيَّة، والمتروبوليتيَة، كما على المستوى الوطنيّ، لتأمين نشر الممارسة البيبليَّة بفضل موادّ موافقة، ولدفع الحركة البيبليَّة[115] بين العوام، وللاعتناء بتكوين منشِّطين لمجموعات إصغاء للإنجيل، مع انتباه خاصّ إلى الشبيبة، فتقدِّم لهم طرق إيمان مع كلام الله، كما أيضًا إلى المهاجرين، وإلى الذين "يبحثون" عن طريق.

ويجدر بنا أن نذكِّر أنَّه، منذ سنة 1968، وُجدت الرابطة الكتابيَّة الكاثوليكيَّة العالميَّة، التي أسَّسها بولس السادس، لتعمل في خدمة اتِّجاهات المجمع الفاتيكاني الثاني حول كلام الله. وجميع المجالس الأسقفيَّة تقريبًا هي أعضاء في هذه الرابطة، التي لها فروع في جميع القارّات. وهدفها هو نشر نصّ البيبليا في مختلف اللغات، وإدخال الناس الوضعاء إلى معرفة تعاليمها وعيشها، بواسطة ترجمات صالحة يمكن أن تستعمل في الليتورجيّا بفضل تنبُّه رعائيّ لدى الأساقفة. ويكون واجبُ الجماعة أيضًا أن تنشر البيبليا مقابل ثَمَنٍ يكون في متناول الجميع.

وتُعطى مساحة واسعة بحسب توازٍ عارف إلى النهوج والأشكال اللغويَّة الجديدة ووسائل الاتِّصال في نقل كلام الله، مثل الراديو، والتلفزيون، والمسرح، والسينما، والموسيقى، والأناشيد، وصولاً إلى وسائل أخرى مثل الأقراص المدمجة والأنترنيت، الخ[116].

وعلى هذا الطريق، طريق كلام الله إلى الشعب، يبقى دور خاصّ بـأصحاب الحياة المكرَّسة. على ذلك شدَّد المجمع الفاتيكاني الثاني: "كلَّ يوم يكون الكتاب المقدَّس بين أيديهم ليستقوا من قراءته والتأمُّل فيه ’معرفة سامية ليسوع المسيح‛ (فل 3: 8)[117]، ويجدوا دفعًا مجدَّدًا للقيام بمهمَّة التربية والأنجلة، وبالأخصّ مع الفقراء والصغار وآخر القوم. ففي نظر آباء الكنيسة، ينبغي أن يصبح النصُّ البيبليّ موضوع "اجترار" يوميّ. قال القدّيس أمبروسيوس: حين يبدأ الإنسان في قراءة الكتاب الإلهيّ، يعود الله ويمشي قربه في الفردوس الأرضيّ"[118]. وأكَّد يوحنّا بولس الثاني: "إنَّ كلام الله هو الينبوع الأوَّل لكلِّ حياة روحيَّة؛ فهو يغذّي علاقة خاصَّة مع الإله الحيّ ومع مشيئته الخلاصيَّة والمقدِّسة. لهذا، فـالقراءة الربّيَّة كانت منذ ولادة مؤسَّسات الحياة المكرَّسة، وبخاصَّة في الحالة الرهبانيَّة، موضوع التقدير الأسمى؛ فبفضلها يدخل كلامُ الله في الحياة التي عليها يُسقط نورَ الحكمة التي هي موهبة الروح"[119].

كلام الله، نعمة مشاركة بين المسيحيّين

28. وينبغي أن تُرى هذه الوجهة كأحد الأهداف الرئيسيَّة في العمل الرعائيّ في الكنيسة. فالوجهتان الأساسيّتان اللتان توجِّهان جميع المؤمنين في المسيح، يكوِّنهما كلام الله والمعموديَّة. وانطلاقًا من هذه المعطيات، تتواصل الطريق المسكونيَّة عبر تحدِّيات ينبغي أن نواجهها من أجل هذه الوحدة التامَّة، التي تكفل لقاء تامًّا مع المسيح ومع الإخوة، في عودة إلى ينابيع الكلمة المفسَّرة على ضوء التقليد الكنسيّ[120]. وخطبة يسوع الوداعيَّة في العلّيَّة تشدِّد على أنَّ هذه الوحدة تكمن في شهادة مشتركة لكلمة الآب التي أعطاها الربّ (يو 17: 8).

فالإصغاء إلى كلام الله يُقدِّم بُعدًا مسكونيًّا نبقى متيقِّظين باستمرار له. ونلاحظ بملء الرضى أنَّ البيبليا هي اليوم أهمّ نقطة التقاء من أجل الصلاة والحوار بين الكنائس والجماعات الكنسيَّة. وعند تَلَقِّي تعليمات المجمع الفاتيكاني الثاني، نشارك في نشر النصوص المقدَّسة عبر الترجمات المسكونيَّة[121]. وبعد المجمع، قدَّمت السلطة التعليميَّة إسهامات ملحوظة[122]؛ فالقراءة المتنبّهة لكلام الله، والتواجه مع الأوضاع الفرديَّة، يمكنهما أن يعطيَا الدفع وتعليمات واضحة من أجل التقدّم في الطريق نحو الوحدة. وأكَّد الأب الأقدس بنديكتوس السادس عشر: "أن نستمع معًا إلى كلام الله، أن نمارس القراءة الربّيَّة للبيبليا، أي القراءة المرتبطة بالصلاة، أن نترك جديد كلام الله الذي لا يعتق أبدًا ولا ينفد يجتاحنا، أن نتجاوز صَمَمَنا تجاه أقوال لا تتوافق مع أفكارنا المسبقة وآرائنا، أن نسمع وندرس في مشاركة مع المؤمنين في كلِّ زمان، كلّ هذا يشكِّل طريقًا نسير فيها لكي نبلغ الوحدة في الإيمان، كجواب على الإصغاء إلى الكلمة"[123].

كلام الله نور من أجل الحوار بين الديانات

29. هو حقلٌ إجماليّ، كان حاضرًا في الكنيسة على مدِّ تاريخها، ويقدِّم اليوم نفسه مع متطلِّبات جديدة ومهمّات لم تُعرَف من قبل. فينبغى على البحث اللاهوتيّ أن يعمِّق الرباط الدقيق الحاضر، ويستخلص منه النتائج الرعائيَّة. فانطلاقًا من مجمل تعليم الكنيسة[124]يجدر بنا أن نذكِّر بالنقاط التالية التي تخضع للتفكير وللتقدير:

أ- مع الشعب اليهوديّ

30. ينبغي أن يكون هناك تنبُّه خاصّ إلى الشعب اليهوديّ. فالمسيحيّون واليهود هم جميعًا أبناء إبراهيم، متجذِّرون في العهد الواحد؛ فالله الأمين لمواعيده لم يُلغِ العهد الأوَّل (رو 9-11)، وأكَّد يوحنّا بولس الثاني: "هذا الشعب يدعوه ويقوده الرب، خالق السماء والأرض. فوجوده ليس مجرَّد واقع طبيعيّ أو ثقافيّ، حيث ثقافة الإنسان تنشر إمكانيّات طبيعته الخاصَّة. فهذا الشعب استمرَّ بالرغم من كلِّ شيء لأنَّه شعب العهد، ولأنَّ الربَّ هو الأمين لعهده بالرغم من خيانات البشر"[125]. هم يقاسمون القسم الأكبر من القانون البيبليّ (لائحة الأسفار)، الذي يدعوه المسيحيّون العهد القديم. في هذا المجال، هناك اليوم وثيقة هامَّة من اللجنة الحبريَّة البابويَّة عنوانها: الشعب اليهوديّ وكتبه المقدَّسة في البيبليا المسيحيَّة[126]، التي تدعونا إلى التفكير في الرباط الإيمانيّ الوثيق الذي سبق الدستور العقائدي كلام الله وأشار إليه[127]. وهناك وجهتان ينبغي الأخذ بهما بشكل خاصّ: المشاركة الأصيلة مع فهم اليهود للبيبليا، وتجاوز كلِّ شكل ممكن من العداء للساميَّة أو اليهوديَّة.

ب- مع ديانات أخرى

31. أُرسلت الكنيسة لكي تحمل الإنجيل إلى الخليقة كلِّها (مر 16: 15). لهذا، فهي تلاقي عددًا كبيرًا من المنضوين إلى ديانات أخرى، مع كتبهم المقدَّسة، وطريق فهمهم لكلام الله؛ وهي تتَّصل بأشخاص يتبعون طريقًا باحثًا، أو ينتظرون بكلِّ بساطة "الخبر الطيِّب". فتجاههم كلِّهم تشعر الكنيسة بأنَّ عليها دَينًا بأن تحمل إليهم كلمة الخلاص (رو 1: 14).

وينبغي قبل كلِّ شيء التذكير بأنَّ المسيحيَّة ليست ديانة الكتاب، بل ديانة كلمة الله المتجسِّد في الربِّ يسوع. وإذ نواجه البيبليا مع النصوص المقدَّسة في الديانات الأخرى، نتنبَّه لئلاّ نسقط في التلفيقات، والتقاربات السطحيَّة، أو تشويهات الحقيقة. وتنبُّه أكبر هو ضروريّ أيضًا تجاه نقاوة كلمة الله، المفسَّرة بشكل أصيل من قِبَل السلطات التعليمية في مواجهة البدع العديدة التي تستعمل البيبليا لغايات أخرى وبحسب مناهج غريبة عن الكنيسة.

وفي منظار إيجابيّ، ينبغي أن نهتمَّ بمعرفة الديانات اللامسيحيَّة والثقافات الخاصة بكل منها، فنميِّز بذور الكلمة الموجودة فيها. ومن الأهمَّيَّة بمكان أن نذكِّر أنَّ الإصغاء إلى كلام الله ينبغي أن يتجاوز كلَّ أشكال العنف، لأنَّه يُصبح فاعلاً في القلب وفي الأعمال من أجل دفع العدالة والسلام[128].

كلام الله خميرة الثقافات المعاصرة

32. إنَّ اللقاء بين كلام الله ومختلف الثقافات (نهوج فكريَّة، نظام خلقيّ، فلسفة حياة، الخ) يتمّ مرارًا تحت تأثيرات اقتصاديَّة وتكنولوجيَّة، فيستلهم اتِّجاهات دنيويَّة ويتقوّى بسند هامّ تقدِّمه وسائل الإعلام، بحيث يدعى "البيبليات العلمانيَّة". فقد صار الحوار أكثر إلحاحًا وبعض المرّات صعبًا، ولكنَّه غنيّ بالإمكانيَّة من أجل البشارة، لأنَّه غنيّ بطلب معانٍ تجد طرحًا محرِّرًا في الربّ.

هذا يعني أنَّ كلام الله يطلب الولوج في عالم متعدِّد ومُعَلْمَن، لكي يكون له خميرة في "الساحات الحديثة" (كما في أثينا، أع 17: 22)، ساحات الفنّ والعلم والسياسة ووسائل الاتِّصال، فيحمل "قوَّة الإنجيل في قلب الثقافة والثقافات"[129] لكي ينقّيها ويرفعها ويجعل منها أدوات ملكوت الله.

من أجل هذا، ففقاهة يسوع، "الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6)، هي ضروريَّة، ولا تتحقَّق بشكل سطحيّ، بل مع استعداد مناسب من أجل المواجهة مع مواقف الآخرين، وهكذا تبرز بوضوح هويَّةُ السرِّ المسيحيّ وعمله الخيِّر مع كلِّ إنسان. في هذا السياق، نعتني اعتناء خاصًّا ببحث مع ما يُدعى "تاريخ مفاعيل" البيبليا في الحضارة وفي الخُلُقيَّة المشتركة، وهكذا تُدعى بحقّ وتقدَّر على أنَّها "الشرعة الأساسيَّة"، ولا سيَّما في الغرب.

كلام الله وتاريخ البشر

33. إنَّ الكنيسة، في حجِّها نحو الربّ، واعية أيضًا أنَّ كلام الله ينبغي أن يُقرأ في الأحداث وفي علامات الأزمنة التي فيها يتجلّى الله في التاريخ. وحدَّد المجمع الفاتيكاني الثاني أنَّ "واجب الكنيسة، في كلِّ زمان، أن تتحرّى علامات الأزمنة وتفسِّرها على ضوء الإنجيل بحيث تجيب بشكل يناسب كلَّ جيل، عن أسئلة الناس الدائمة حول معنى الحياة الحاضرة والحياة الآتية وعلاقتهما المتقابلة"[130]. هي تغوص في تاريخ البشر، فينبغي عليها "أن تميِّز في الأحداث والمتطلِّبات والالتماسات [...] ما هي العلامات الحقيقيَّة لحضور الله أو قصده"[131]، وأن تساعد البشريَّة على اللقاء بربِّ التاريخ والحياة.

وهكذا، فالكلام الذي زرعه يسوع كحبَّة الملكوت، يواصل جريه في تاريخ البشر (2تس 3: 1). وحين يعود المسيح في المجد، يصدح هذا الكلام مثل نداء للمشاركة ملء المشاركة في فرح الملكوت (مت 25: 24). فتجيب الكنيسة على هذا الوعد الأكيد بصلاة حارَّة: ماراناتا" (1كو 16: 22)، "تعال أيَّها الربُّ يسوع " (رؤ 22: 20).

أسئلة حول الفصل الثالث

1- إعلان كلام الله اليوم

انطلاقًا من الخبرة الرعائيَّة، ما الذي يساعد أو يمنع الإصغاء إلى كلام الله؟ الحاجة إلى تجديد الإيمان، بعض القلق الداخليّ أو تشجيع سائر المسيحيّين، هل تستطيع أن تساعد على هذا الإصغاء؟ فالعلمنة وتكاثر البلاغات وأساليب الحياة التي تتناوب الرؤية المسيحيَّة، هل تعيقها؟ أيَّ تحدِّيات ينبغي على البشارة بكلام الله أن تواجهها؟

2- اقتراب واسع من الكتب المقدَّسة

قال الدستور العقائدي كلام الله، 22: "ينبغي أن يكون البلوغ إلى الكتاب المقدَّس مفتوحًا واسعًا للمسيحيّ"؛ كيف يتوافق ذلك مع الوقائع؟ هل هناك إحصاءات، ولو تقريبيَّة، في هذا الموضوع؟ هل نلاحظ زيادة في الإصغاء الشخصيّ والجماعيّ إلى البيبليا؟

3- نشر كلام الله

كيف تنتظم الرسالة البيبليَّة في جماعة الأبرشيَّة؟ هل هناك برنامج أبرشيّ؟ هل هناك منشِّطون مهيَّأون؟ هل الرابطة الكتابيَّة الكاثوليكيَّة معروفة؟ أيُّ أشكال لقاء مع كلام الله تُعرَض (فِرَق بيبليَّة أو فِرَق إصغاء، دروس بيبليَّة، يوم بيبليّ، قراءة ربّيَّة)، وأيَّها يمارس المسيحيّون بتواتر؟ هل هناك ترجمات كاملة أو جزئيَّة للبيبليا؟ هل للبيبليا اعتبارُها في الأُسَر؟ هل هناك طرق بيبليَّة معروفة على مختلف الأعمار (الأولاد، المراهقون، الشبّان، الراشدون)؟ كيف تستعمل وسائل الاتِّصالات الاجتماعيَّة؟ أيُّ العناصر تبدو بارزة؟

4- كلام الله في الحوار المسكونيّ

إنَّ إعلان كلام الله في العالم المعاصر يتطلَّب شهادة ملتصقة بالحياة؛ هل يمكن أن نتعرَّف إليه لدى المسيحيّين اليوم؟ كيف يمكن أن ننمِّيَه؟ في الحوار المسكونيّ، كيف تتقبَّل الكنائس الخاصَّة المضامين الرئيسيَّة في الدستور العقائدي كلام الله؟ هل هناك تبادل مسكونيّ بين الكنائس الأُخَيّات بالنسبة إلى الكتب المقدَّسة؟ أيُّ دور تَنسب هذه الكنائسُ إلى كلام الله؟ في أيِّ شكل يتمُّ اللقاء مع هذا الكلام؟ هل المشاركة ممكنة مع جمعيّات الكتاب المقدَّس؟ هل استعمال البيبليا يسبِّب الصراعات؟

5- كلام الله في الحوار مع الشعب اليهوديّ

هل يتَّخذ الحوار مع العالم اليهوديّ الأفضليَّة؟ أيّ أشكال حوار حول البيبليا هي مستحبّة؟ هل يؤخذ النصُّ البيبليّ أداة من أجل تكوين مواقف تعادي الساميَّة؟

6- كلام الله في الحوار بين الديانات وبين الثقافات

هل هناك خبرات حوار مؤسَّسة على الكتاب المقدَّس المسيحيّ مع الذين لهم كتابهم الخاصّ؟ كيف يلتقي مع كلام الله أولئك الذين لا يؤمنون بإلهام الكتب المقدَّسة؟ هل هناك أيضًا كلمة الله للذين لا يؤمنون بالله؟ هل هناك تقرّب من البيبليا بصفتها "شرعة أساسيَّة" تحمل غنًى كونيًّا كبيرًا؟ هل هناك خبرات حوار بين الثقافات، عائدة إلى البيبليا؟ ما هي الإجراءات المتَّخذة لمساندة الجماعة المسيحيَّة في وجه البدع؟

الخاتمة

"لتحلَّ في قلوبكم كلمة المسيح بكلِّ غناها، لتعلِّموا وتنبِّهوا بعضكم بعضًا بكلِّ حكمة. رتِّلوا المزامير والأناشيد الروحيَّة شاكرين لله من أعماق قلوبكم. مهما يكن لكم من قول أو فعل، فليكن باسم الربِّ يسوع، حامدين به الله الآب" (كو 3: 16-17).

الإصغاء إلى كلام الله: حياة المؤمن

34. هناك عنصر أساسيّ للقاء الإنسان بالله، هو الإصغاء الدينيّ إلى الكلمة. فالحياة نعيشها بحسب الروح بنسبة إمكانيَّة إعطاء مكانة للكلمة، وإيلاد كلام الله في قلب الإنسان. فليس الإنسان من يقدر أن يلج كلام الله، بل كلام الله هو من يجتاحه ويهديه، ويجعله يكتشف غناه وأسراره، ويفتح له آفاقًا من المدلولات، وطروح حرّيَّة، وملءَ النضوج البشريّ (أف 4: 13). إنَّ معرفة الكتب المقدَّسة هي عمل موهبة كنسيَّة جُعلت بين يدي المؤمنين المنفتحين على الروح.

في نظر القديس مكسيم المعترف: "إنْ تفوَّهنا بأقوال الله في شكل بسيط، فلا تُسمَع، لأنَّها لا تنعكس في ممارسة الذين يتفوَّهون بها؛ أمّا إذا تفوَّهنا بها ساعة نمارس الوصايا، فلها السلطة مع هذا الصوت، بأن تزيل الأبالسة، وتدفع البشر إلى بناء الزمن الإلهيّ للقلب بفضل النموّ في أعمال البرّ"[132]. فينبغي أن نستسلم إلى التسبيح الصامت للقلب في مناخ من البساطة والصلاة العابدة، مثل مريم، عذراء الإصغاء، لأنَّ جميع أقوال الله تتلخَّص في الحبّ وتُعاش فيه (تث 6: 5؛ يو 13: 34-35). وإذ يصبح المؤمن "تلميذًا"، يستطيع أن يلج "كلمة الله الحسنة" (عب 6: 5)، فيحياها في الجماعة الكنسيَّة، ويعلنها للقريبين وللبعيدين، مؤَوِّنًا نداء يسوع، الكلمة المتجسِّد: "اقترب ملكوت الله؛ توبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15).

******

حاضرة الفاتيكان 2007

الأمانة العامة لسينودس الأساقفة



[1] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 2.

[2] Rupertus Abbas Tuitiensis, De operibus Spiritus Sancti, I,6: SC 131,72-74.

[3] لاوون الثالث عشر، عناية الله (18/11/1893):DS 1952 (3293)؛بنديكتوس الخامس عشر، الروح البارقليط (15/9/1920): AAS 12 (1920) 385-422؛ بِيّوس الثاني عشر، بفيض من الروح القدس (30/9/1943):AAS 35(1943) 297-325

[4] Cf. Synodus Episcoporum, Relatio finalis Synodi Episcoporum Exeunte cœtu secundo: Ecclesia sub Verbo Dei mysteria Christi celebrans pro salute mundi (07.12.1985): Enchiridion del Sinodo dei Vescovi, 1, EDB, Bologna 2005, 2733-2736.

[5] Benedictus XVI, Ad Conventum internationalem.La Sacra Scrittura nella vita della Chiesa (16.09.2005): AAS 97 (2005) 957. Cf. Paulus VI, Ep. Ap. Summi Dei Verbum (04.11.1963): AAS 55 (1963) 979-995; Ioannes Paulus II, Audience générale (22.05.1985): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (28.05.1985) n°22, p. 12; Discours sur l'interprétation de la Bible dans l'Église (23.04.1993): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (04.05.1993) n°18, p. 6; Benedictus XVI, Angelus (06.11.2005): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (06.11.2005) n°45, p. 1.

[6] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 21.

[7] القديس إيرونيموس، تفسير سفر الجامعة، 313: CCL 72,278

[8] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 22.

[9] اللجنة الحبرية البيبلية، الشعب اليهودي وكتبه المقدسة في البيبليا المسيحية (24/5/2001): Enchiridion Vaticanum 20, EDB, Bologna 2004, pp.507-835.

[10] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 2.

[11] المرجع ذاته.

[12] المرجع ذاته.

[13] المرجع ذاته.

[14] Missale Romanum, Editio typica tertia, Typis Vaticanis, Città del Vaticano 2002, Institutio generalis, n. 368.

[15] Paulus VI, Lettre au IVème Congrès national français de l'enseignement religieux (01-03.04.1964): La Documentation Catholique n° 1422 (19.04.1964), p. 503.

[16] S. Gregorius Magnus, Moralia, 20,63: CCL 143A, 1050.

[17] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله،3.

[18] القديس أفرام، أناشيد الفردوس، 5: 1-2: SC 137,71-72

[19] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 4.

[20] القديس إيريناوس، ضد الهراطقة، 4، 34، 1:SC 100,847

[21] SC 120, 380-384.!!!!أوريجانوس، في يوحنا 5،5-6:

[22] Cf. S. Bernardus, Super Missus est, Homilia IV,11: PL 183,86.

[23] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 3.

[24] المرجع ذاته، 24.

[25] المرجع ذاته، 4.

[26] المرجع ذاته، 5.

[27] المرجع ذاته.

[28]المرجع ذاته، 2؛ 5.

[29] المرجع ذاته، 2.

[30] المرجع ذاته، 21.

[31] Isaac de Stella, Sermo 51: PL 194,1862-1863.1865.

[32] القديس أمبروسيوس، الإنجيل بحسب لوقا 2: 19: CCL 14,39

[33] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 7.

[34] المرجع ذاته، 26.

[35] المرجع ذاته، 8؛ رج 21.

[36] كتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، 825.

[37] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 8.

[38] المرجع ذاته، 7.

[39] المرجع ذاته، 10.

[40] المرجع ذاته، 9؛ رج المجمع المسكوني التريدنتيني، قرار حول الكتب المقدسة الواجب قبولها في التقليد :DS 1501.

[41] المرجع ذاته، 10.

[42] المرجع ذاته، 8.

[43] المرجع ذاته، 21.

[44]كتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، 120.

[45]Cf. Joseph Ratzinger, Une tentative sur le problème du concept de tradition: K. Rahner - J. Ratzinger, Révélation et tradition, trad. de l'allemand par Henri Rochais et Jean Évrard, Quæstiones disputatæ, n. 7 , Desclée de Brouwer, Paris 1972.

[46] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 9؛ رج 24.

[47] المرجع ذاته، 21.

[48] المرجع ذاته، 11.

[49] اللجنة الحبرية البيبلية، تفسير البيبليا في الكنيسة (15/4/1993)، ف 1 ج د:
Enchiridion Vaticanum
13, EDB, Bologna 1995, pp.1555-1733.

[50] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 3-6.

[51] البابا يوحنا بولس الثاني، الإيمان والعقل (14/9/1998)، 13-15:AAS 91 (1999) 15-18.

[52] اللجنة الحبرية البيبلية، تفسير البيبليا في الكنيسة (15/4/1993)، ف 1 و:
Enchiridion Vaticanum
13, Bologna 1995, pp. 1628-1634.

[53] Cf. ibidem, chap. IV,A.B, pp. 1703-1715.

[54] كتاب التعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، 117.

[55] اللجنة الحبرية البيبلية، تفسير البيبليا في الكنيسة (15/4/1993)، ف 1:
Enchiridion Vaticanum
13, EDB, Bologna 1995, pp. 1568-1634.

[56] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 12؛ رج كتاب التعليم المسيحي في الكنيسة الكاثوليكية، 109-114.

[57] L'Osservatore Romano (10.11.2006) p. 4.البابا بنديكتوس السادس عشر، خطاب الى أساقفة سويسرا(7∕11∕2006):

[58] Missale Romanum, Ordo lectionum Missæ: Editio typica altera, Libreria Editrice Vaticana, Città del Vaticano 1981: Prænotanda, n° 8.

[59] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 15-16.

[60] Cf. S. Augustinus, Quæstiones in Heptateucum, 2,73: PL 34,623; cf. ؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 16.

[61] القديس غريغوريوس الكبير، في حزقيال، 1، 6، 15:CCL 142,76

[62] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 18-19؛
cf. Ioannes Paulus II, Audience générale (22.05.1985): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (28.05.1985) n°22, p. 6.

[63] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 1.

[64] المرجع ذاته، 21.

[65] S. Gregorius Magnus, Registrum Epistolarum V,46, 35: CCL CXL, 339.

[66] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 21.

[67] المرجع ذاته.

[68] كتابالتعليم المسيحيّ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، 115-119.

[69] Cf. Guigus II Prior Carthusiæ, Scala claustralium sive tractatus de modo orandi: PL 184,475-484.

[70] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 12.

[71] المرجع ذاته، 23.

[72] Missale Romanum, Ordo Lectionum Missæ, Editio typica altera: Prænotanda, 9.

[73]Petrus Damascenus, Liber II, vol. III, 159: Filocalia, vol. 3, Torino 1985, 253.

[74] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 21.

[75] مجمع الإكليروس، دليل عام للتعليم المسيحي (15/8/1997)، 47:
Enchiridion Vaticanum
16, EDB, Bologna 1999, pp. 663-665.

[76] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الليتورجيا المقدسة، المجمع المقدس، 35.

[77] المرجع ذاته، 7.

[78] المرجع ذاته، 24.

[79] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 21.

[80] البابا يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (6/1/2001)، 36:AAS 93 (2001) 291

[81] Cf. Missale Romanum, Ordo Lectionum Missæ, Editio typica altera, Prænotanda.

[82] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 24.

[83] البابا يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (6/1/2001)، 39: AAS 93 (2001) 293

[84] Cf. CIC can. 762.

[85] مجمع الإكليروس، دليل عام للتعليم المسيحي (15/8/1997)، الجزء الأول، الفصل 2: Enchiridion Vaticanum 16, EDB, Bologna 1999, pp. 684-708.

[86] في هذا القسم، ينبغي أن يكون حاضرًا أمام ناظرينا الانتباه الموجَّه إلى العلاقة بين الصلوات التقوية وكلمة الله في: توجيهات خاصة بالتقوى الشعبية والليتورجيا: مبادىء وتوجيهات (9/4/2002)، مجمع الطقوس، الأرقام 87-89.

[87] مجمع الإكليروس، دليل عام للتعليم المسيحي (15/8/1997)، 127:

Enchiridion Vaticanum 16, EDB, Bologna 1999, p. 794.

[88] المرجع ذاته.

[89] البابا يوحنا بولس الثاني، وديعة الإيمان (11/10/1992)، 4: ASS 86 (1994) 117

[90] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 24؛ لاوون الثالث عشر، عناية الله (18/11/1893)، الجزء الثاني، في الختام: AAS 26 (1893-94) 269-292؛ بنديكتوس الخامس عشر، الروح البارقليط (15/9/1920)، الجزء الثالث:AAS 12 (1920) 385-422.

[91] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 12؛ المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاتي، قرار مجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالي، إلى الأمم 22.

[92] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في تنشئة الكهنة، 16؛ cf. CIC can. 252 et CCEO can. 350

[93] البابا يوحنا بولس الثاني، الإيمان والعقل (14/9/1998): Proœmium: AAS 91 (1999) 5

[94] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 23.

[95] القديس إيرونيموس، تفسير أشعيا؛ المقدمة:Prol.: PL 24,17

[96] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 25.

[97] البابا يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (6/1/2001)، 39: AAS 93 (2001) 293

[98] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 25.

[99]S. Augustinus, Enarrat. in Ps 85,7: CCL 39,1177.

[100] اللجنة الحبرية البيبلية، تفسير البيبليا في الكنيسة (15/4/1993)، 4، ف 3:
Enchiridion Vaticanum
14, EDB, Bologna 1995, p. 1725.

[101] Cf. Guigus II Prior Carthusiæ, Scala claustralium sive tractatus de modo orandi: PL 184,475-484.

[102] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في تنشئة الكهنة، 4؛ البابا يوحنا بولس الثاني، أعطيكم رعاة (25/3/1992)، 47:
AAS
84 (1992) 740-742.

[103] Cf. Benedictus XVI, Rencontre avec les jeunes Romains (06.04.2006): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (11.04.2006) nº15, p. 4; Message pour la Journée Mondiale de la Jeunesse (22.02.2006): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (28.02.2006) nº9, p. 3.

[104] البابا يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (6/1/2001)، 39: AAS 93 (2001) 293

[105] Benedictus XVI, Ad Conventum Internationalem La Sacra Scrittura nella vita della Chiesa (16.09.2005): AAS 97 (2005) 957. Traduction en français cf. L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (20.09.2005) n° 38, p. 3.

[106] البابا بنديكتوس السادس عشر، رسالة لليوم العالمي للشبيبة (22/2/2006):
L'Osservatore Romano,
E.H.L.F. (28.02.2006) n° 9, p. 3.

[107] Benedictus XVI Ad Conventum Internationalem La Sacra Scrittura nella vita della Chiesa (16.09.2005): AAS 97 (2005) 957. Traduction en français cf. L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (20.09.2005) n° 38, p. 3.

[108] البابا يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسوليّ، في الحياة المكرّسة (25/3/1996)، 94: AAS 88 (1996) 469-470

[109] S. Cyprianus, Ad Donatum, 15: CCL IIIA, 12.

[110] البابا يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (6/1/2001)، 40: AAS 93 (2001) 294

[111] البابا بنديكتوس السادس عشر، الله محبة (25/12/2005): AAS 98 (2006) 217-252

[112] المرجع ذاته، 20-25: AAS 98 (2006) 233-237

[113] القديس أوغسطينوس، في العقيدة المسيحية 1، 35، 39 – 36، 40: PL 34,34

[114] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 22؛ CIC can. 825; CCEO can. 654 et 662 § 1

[115] المرجع ذاته، الرقم 25.

[116] مجمع الإكليروس، دليل عام للتعليم المسيحي (15/8/1997)، 160-162:
Enchiridion Vaticanum
16, EDB, Bologna 1999, pp. 845-847.

[117] المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في تجديد الحياة الرهبانية وملائمتها، المحبة الكاملة 6.

[118] Cf. S. Ambrosius, Epist. 49,3: PL 16,1154B.

[119] البابا يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسوليّ، في الحياة المكرّسة (25/3/1996)، 94:AAS 88 (1996) 469

[120] المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في الحركة المسكونية، استعادة الوحدة، 21.

[121] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 22.

[122] البابا يوحنا بولس الثاني،ليكونوا واحدًا (25/5/1995)، 94:
AAS
87 (1995) 921-982. Videas etiam: Pontificium Consilium ad Unitatem Christianorum Fovendam, Directorium œcumenicum noviter compositum: AAS 85 (1993) 1039-1119.

[123] Benedictus XVI, Allocutio Le monde attend le témoignage commun des chrétiens (25.01.2007): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (30.01.2007) n° 5, p. 3.!!!!

[124] المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاتي، قرار مجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالي، إلى الأمم 22؛
.Decl. de Ecclesiæ habitudine ad Religiones non-Christianas Nostra ætate, 2-4; Congregatio pro Doctrina Fidei, Declaratio de Iesu Christi atque Ecclesiæ unicitate et universalitate salvifica, Dominus Iesus (06.08.2000), 20-22: AAS 92 (2000) 761-764.

[125] Ioannes Paulus II, Aux participants à la rencontre d'étude sur Les racines de l'antijudaïsme dans le milieu chrétien (31.10.1997): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (04.11.1997) n° 44, p.4.!!!

[126] اللجنة الحبرية البيبلية، الشعب اليهودي وكتبه المقدسة في البيبليا المسيحية (24/5/2001): Enchiridion Vaticanum 20, EDB, Bologna 2004, pp. 506-835.

[127] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، 14-16.

[128] Cf. Benedictus XVI, Message pour la Journée Mondiale de la Paix: «Dans la vérité, la paix » (08.12.2005): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (13.12.2005) nº50, p. 4-5 et Message pour la Journée Mondiale de la Paix: « La personne humaine, cœur de la paix » (08.12.2006): L'Osservatore Romano, E.H.L.F. (19-26.12.2006) nº51-52, p. 2-3.

[129] Ioannes Paulus II, Adhort. Ap. Catechesi tradendæ (16.10.1979), 53: AAS 71 (1979) 1320.

[130] المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور راعوي ، فرح ورجاء، 4.

[131] المرجع ذاته، 11.

[132] S. Maximus Confessor, Capitum theologicorum et œconomicorum duæ centuriæ IV, 39: MG 90, 1084.

top