Index

  Back Top Print

الجمعية العامّة غير العاديّة الثالثة

التحدّيات الرعائية للعائلة

في إطار نشر الإنجيل

وثيقة تحضيرية

 

حاضرة الفاتيكان

2013

ترجمة بطريركية الأقباط الكاثوليك

 

أوّلاً- السينودس : العائلة والتبشير

إنّ رسالة إعلان البشارة البشارة إلى كلِّ مخلوقٍ قد سُلِّمتْ من الربّ مباشرةً إلى تلاميذه، والكنيسة هي حاملة هذه الرسالة عبر التاريخ. في العصر الذي نعيش فيه، تُصبِح الأزمة الواضحة على الصَّعيدَين الاجتماعيّ والروحيّ تحدِّيًا رعائيًّا يَطرح تساؤلاتٍ على رسالة الكنيسة التبشيرية تُجاهَ العائلة، هذه التي هي النَّواة لحياة المجتمع والجماعة الكنسية. إنّ عرض البُشرى على العائلة في هذا الإطار يَتبيَّن عاجلاً وضروريًّا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. إنّ أهمّـيّة الموضوع تَـتّضح من أنّ قداسة البابا قد قرّر تحديد مَسارٍ للعمل على مرحلتَين بالنسبة لِسينودس الأساقفة: الأولى الجمعيّة العامّة غير العاديّة في عام 2014، وتهدِف إلى تحديد ” الواقع الحالي للمسألة“ (status quaestionis) وإلى جمع الشَّهادات والمُقترحات من الأساقفة لأجل إعلان”بُشرى العائلة“ ومَعيشتها بطريقة فيها مِصداقية؛ والمرحلة الثانية هي الجمعية العامّة العاديّة في عام 2015، لأجل البحث عن خُطوطٍ لِلعمل بالنسبة للعمل الرَّعويّ نحو الشخص البَشريّ ونحو العائلة.

إنّ أوضاعًا لم تُعرَف من قبلُ حتى السنين الأخيرة تَطرح نفسها اليوم، مع انتشار أزواج الاتّحاد الحُرّ الذين لا يَتزوّجون – بل أحيانًا يُلغون فكرة الزواج نفسَها - ، وُصولاً إلى ارتباطاتٍ بين شخصين من نفس الجنس، وإلى أن يُمنَح لهؤلاء أحيانًا كثيرة حقُّ تَبنّي الأطفال. مِن بين الأوضاع الجديدة العديدة التي تَستدعي انتباه الكنيسة والْتزامَها الرَّعويّ، يَكفي ذِكرُ الآتي: الزِّيجات المُختلطة أو التي ذات الانتماء الديني المختلِف، العائلات ذات العائل الواحد – أبٍ فقط أو أمٍّ فقط -، تَعدُّد الزَّوجات، الزَّواجات التي يُرتَّبها غيرُ طَرفَي الزّواج مع ما يَترتَّب على ذلك من مشاكل مُتعلّقة بالمَهر الذي يُعتبَر أحيانًا مَبلغًا لامتلاك المرأة، نِظام الطَّبقات، ثقافة عدم الالْتزام والافتراض المُسبَق لِعدم إمكانيّة ثَبات الرِّباط، أشكال مُعادية لِلكنيسة لِتحرير المرأة، ظَواهر الهجرة مع إعادة صياغة فكرة العائلة ذاتِها، التَّعدُّديّة النِّسبيّة في مفهوم الزَّواج، تأثير وسائل الإعلام على الثقافة الشعبية فيما يتعلّق بمفهوم حفلات العُرس ومفهوم الحياة العائلية، التيّارات الفكرية التي تُوحي باقتراحات قانونية تَحُطّ من قيمة دَوامِ العهد الزَّواجيّ وأمانتِهِ، انتشار ظاهرة الأُمّهات الحَمّالات – أي اللّواتي يُؤجِّرنَ أرحامَهنَّ -، التَّفسيرات الجديدة لِحقوق الإنسان. ولكن خُصوصًا في الأوساط الكَنسيّة تحديدًا، ضُعف أو تَرك الإيمان بِقُدسيّة الزواج، وبالقُدرة العِلاجيّة التي لِسرّ التَّوبة.

من كل هذا، نفهم مدى الضرورة المُلحّة لِعناية الهيئة الأسقفية العالمية، ”مع بطرس وتحت سلطته“ (cum et sub Petro)، لأجل مواجهة هذه التّحدّيات. إذا فكّرنا فقط، على سبيل المثال، في كمِّ الأطفال والشّباب الذين في هذا الإطار الحالي قد وُلدوا من زيجاتٍ غير نِظاميّة ولن يستطيعوا أبدًا أن يرَوا والديهِم وهم ينالون الأسرار، فنُدرِك مدى الضرورة المُلحّة للاستجابة لِلتحدّيات المَطروحة أمام تبشير الوضع الحالي، الذي قد انتشر أيضًا في كلّ أنحاء ”القرية العالمية“. هذا الواقع يجد صدًى خاصًّا في التَّرحيب الهائل الذي يَلقاه التعليم في أيّامنا، عن الرحمة الإلهية وعن الحنان تُجاهَ الأشخاص المجروحين، عند الأطراف الجغرافية والوُجودية: ويَنتُج عن ذلك تَوقّعاتٌ هائلة بالنسبة للاختيارات الرَّعوية الخاصّة بالعائلة. بالتالي، فإنّ تَباحُث سينودس الأساقفة حول هذه المواضيع يَتّضح كَضرورة مُلِحّة وأيضًا عادلة، تعبيرًا عن محبّة الرّعاة نحو مَن قد أُوكِلوا إليهم، وعن محبة العائلة البشرية جمعاء أيضًا نحوهم.

ثانيًا- الكنيسة والإنجيل حول العائلة

إنّ بُشرى الحبّ الإلهي يجب أن تُعلَن على مَن يعيشون تلك الخبرة البَشرية الشخصية الأساسية، الخاصّة بِزوجَين وبِشَرِكة منفتحة على هبة الأبناء، أَلا وهي الجماعة العائلية. إنّ التّعليم الإيمانيّ عن الزّواج يجب أن يُقدَّم بطريقة تَواصُليّة وفَعّالة، لكي تستطيع أن تَمَسَّ القلوب وأن تُغيّـرَها بحسب مشيئة اللّه التي تجلّت في يسوع المسيح.

بالنسبة لِلتّذكير بالمَراجع الكتابية المتعلّقة بالزّواج وبالعائلة، فلن يُذكَر هنا إلاّ الأساسي منها. كذلك بالنسبة لِوثائق تعليم الكنيسة الرسميّ، يبدو من المناسب أَلاّ نُورِد إلاّ تلك الخاصّة بالتّعليم العامّ لِلكنيسة، مع إضافة بعضِ النّصوص من المَجمع الحَبريّ لِلعائلة، مع إفساح المَجال لِعناية الأساقفة المُشتركين في السينودس بأن يَذكُروا الوثائق الصادرة عن منظّماتهم الأُسقفية الخاصّة.

في كلّ الأزمنة وفي حِضن كلّ الثقافات المختلفة فيما بينها، لم يَنقُص التّعليم الواضح من الرّعاة ولا شَهادة المؤمنين الملموسة – رجالاً ونساء -، الذين في ظروفٍ متبايِنة جدًّا عاشوا الإنجيل حول العائلة كَعطيّة قيِّمة إلى أقصى حَدٍّ بالنسبة لحياتهم ولحياة أبنائهم. إنّ الالْتزام بالسينودس في دورته القادمة غيرِ العاديّة تَدفعُه وتَدعمُه الرَّغبة في توصيل هذه الرّسالة لِلجميع، بِقوّة إضافيّة، مع الرّجاء بِأنّ هذا يجعل ”كنزَ الإعلان الإلهي المُوكَل إلى الكنيسة يَغمر قلب البَشر أكثر فأكثر“ (دستور عقائدي في الإعلان الإلهي، كلمة اللّه 26).

خُطّة اللّه الخالق والفادي

إنّ جذور جمال رسالة الكتاب المقدّس حول العائلة تَكمُن في خلق الرّجل والمرأة كِلاهما على صورةِ اللّه ومِثاله(راجع تك 1/24-31؛ 2/4 ب- 25). باتّحادِهما في رِباطٍ سرّيّ مقدَّس غير قابل لِلفَسخ، يعيش الزَّوجان جمال الحبّ والأُبوّة والأُمومة، وجمال الكرامة العُليا المُتمثِّـلة بالاشتراك هكذا في عمل اللّه الذي يَخلق.

في عطيّة ثمرة اتّحادِهما، يَتولَّيان مسؤوليّة تَنشِئة وتربية أشخاصٍ آخَرين لأجل مستقبل الجنس البَشريّ. بواسطة الإنجاب، يُتمِّم الرّجل والمرأة في الإيمان الدَّعوة لأنْ يَكونا معاوِنَين لِلّه لأجل الحِفاظ على الخليقة ونُموّ العائلة البَشرية.

لقد أوضح الطوباويّ يوحنّا بولس الثاني هذا البُعد في ” المؤسّسة العائليّة“ (Familiaris Consortio): ”إنّ اللّه قد خلق الإنسان على صورته ومِثاله ( تك 1/26ت): بِدَعوته إلى الوُجود عن حبٍّ، قد دعاه بذات الفِعل إلى الحبّ. اللّه حبٌّ ( 1يو4/8)، وهو يَحيا في ذاته سرَّ شَرِكة حبٍّ شخصيّة. بِخَلقِهِ البَشريّة من الرّجل والمرأة على صورته، وبِحِفاظِهِ المُستمرّ عليها في الكَيان، قد طبع اللّه فيها الدَّعوة – وبالتالي المَقدرة والمَسؤولية التابعة لها – إلى الحبّ وإلى الشَّرِكة (راجع فرح ورجاء، 12- Gaudium et Spes). الحبّ يُمثِّل إذًا الدَّعوة الأساسيّة والمُلازِمة لِكلّ إنسان“ ( م ع،11- FC).إنّ خُطّة اللّه الخالق هذه، التي أربكتها الخطيئة الأصليّة(راجع تك 3/1-24)، قد تَجلّت في التّاريخ من خلال مُجرَيات حياة الشَّعبِ المختار حتّى مِلءِ الزّمان، في حين أنّ ابنَ اللّه بالتَّجسّد لم يَكتفِ بالتَّأكيد على مشيئةِ اللّه الخلاصيّة، بل إنّه بالفداء قدَّم نعمة القُدرة على الطاعة لتلك المشيئة عينِها.

إنّ ابن اللّه، الكلمة المتجسِّد (راجع يو 1/14) في أحشاء الأُمّ العذراء، عاش وكبُر في عائلة النّاصرة، وشارك في عُرس قانا الذي أضاف إليه غِنًى بِأُولى ” آياتِهِ“ (راجع يو 2/1-11). قبِل بفرحٍ التَّرحيبَ العائليّ به مِن قِبَل تلاميذه الأوَّلين (راجع مر 1/29-31؛ 2/13-17)، وعزَّى عائلة أصدقائه في حِدادِهم في بيت عنيا (راجع لو 10/38-42؛ يو 11/1-44).

لقد أرجع يسوعُ المسيح للزّواج جمالَه بِعَرضِهِ من جديد خُطّةَ اللّه الوَحدويّة التي كانت قد أُهمِلت بسبب قساوة قلب الإنسان حتّى في داخل تقليد شعب إسرائيل (راجع مت 5/31-32؛ 19، 3-12؛ مر 10/1-12؛ لو 16/18). بعودته إلى الأُصول، علّم يسوع الوَحدة والإخلاص بين الزَّوجين، رافضًا طرد المرأة والزِّنى.

إنّ الجمالَ الفائق للحبّ البَشريّ كان قد أُعلِنت عظمتُهُ بِتأكيدات مُستَوحاة من نشيد الأناشيد ومن الرِّباط الزَّوجيّ الذي طالب به الأنبياء ودافعوا عنه، مثل هوشع ( راجع هو 1/ 2 – 3/3) وملاخي (راجع ملا 2/13– 16)؛ وبواسطة هذا الجمال الفائق بالتَّحديد قد أكَّد يسوع على الكرامة الأصليّة للحبِّ الزَّوجيّ بين الرَّجل والمرأة.

تعليم الكنيسة عن العائلة

في الجماعة المسيحية الأولى، ظهرت العائلة كذلك على أنها ”الكنيسة المنزليّة“ (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية – ت ك ك، 1655). في ما يُسمَّى بِـ ”القواعد العائلية“ التي تتخلّل رسائل العهد الجديد الرّسولية، يُعترَف بعائلة العالم القديم الكُبرى على أنها مكان التَّضامُن الأعمق بين الزَّوجات والأزواج، وبين الوالدين والأبناء، وبين الأغنياء والفقراء (راجع أف 5/21- 6/9؛ كول 3/18- 4/1؛ 1تيم2/8-15؛ طي 2/1-10؛ 1بط2/13- 3/7؛ راجع أيضًا الرسالة إلى فيلمون). الرسالة إلى أفسُس، بصفة خاصّة، عَرَّفت الحبّ الزّواجيّ بين الرجل والمرأة على أنّه ”السرّ العظيم“ الذي يُحضِر في العالم حبّ المسيح والكنيسة (راجع أف 5/31-32).

خلالَ العصور، ولا سيَّما في الأزمنة الحديثة وحتّى أيامنا، أصدرت الكنيسة تعليمًا ثابتًا وتدريجيًّا حول العائلة وحول الزواج الذي تتأسّس به. واحدٌ من أبرز التّعبيرات قد عُرِض من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، في الدستور الرّعائي فرح ورجاء (Gaudium et Spes) الذي، في إطار معالجته لِبعض أكثر المَسائل إلحاحًا، يُخصِّص فصلاً كاملاً لإبراز ودعم كرامة الزواج والعائلة، كما يَتبيَّن عند وصف قيمتها بالنسبة لتكوين المجتمع: ”العائلة هي إذًا موضعُ التقاء بين أجيالٍ عديدة تساعد بعضُها البعض على اكتساب حكمةٍ أوسع وعلى تنسيق حقوق الأشخاص بِحيث تتناغم مع المتطلّبات الأخرى لحياة المجتمع؛ وهي بذلك تُمثّل أساس المجتمع“ ( ف ر 52). الدّعوة إلى روحانية تتمركز حول المسيح لأجل الأزواج المؤمنين، لَهي مُلِحّة بِشدّة خاصّة: ” لِيكن الزَّوجان، اللّذان قد خُلقا على صورة إلهٍ حيّ وقد أُقيما في نِظام أشخاصٍ حقيقيّ، متّحدَين في عاطفةٍ واحدة وفِكرٍ واحد وقداسة متبادَلة، بحيثُ يَصيران، في اتّباعهما للمسيح – وهو مبدأٌ للحياة – وبواسطة أفراح دعوتهما وتضحياتها، وبإخلاص حبِّهِما، شاهدَين على سرّ الحب هذا الذي كشفه الربّ للعالم بموته وقيامته“ (ف ر 52).

إنّ خلفاء بطرس كذلك، بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قد أَغنَوا بتعليمهم الرّسميّ التّعليمَ الخاصّ بالزّواج والعائلة، وخاصّةً بولس السادس برسالته العامّة الحياة البَشرية (Humanaevitae) التي تقدّم تعاليم محدَّدة بالنسبة للمبادئ كما أيضًا على المستوى العمليّ. تَلاه البابا يوحنا بولُس الثاني في الحث الرّسوليّ المؤسّسة العائليّة (Familiaris consortio) الذي به أراد بِعَرضِهِ المَقصد الإلهيّ الخاصّ بالحقيقة حول أصل الحبّ الذي بين الزَّوجَين والذي في العائلة: ”إنّ ’المكان‘ الأوحد الذي يُتيح هذا العطاء بكلّ حقيقته هو الزّواج، أيْ عهد الحبّ الزَّواجيّ أو الاختيار الواعي والحُرّ الذي به يُرحّب الرَّجل والمرأة بالجماعة الحميمة، حيث الحياة والحبّ، كما أرادها اللّه نفسُه (راجع ف ر 48) والتي لا تُبيِّن معناها الحقيقيّ إلاّ في ضوء هذا النور. إنّ مؤسَّسة الزّواج ليست تَدخُّلاً غيرَ إلزاميّ من المجتمع أو من السُّلطة، ولا هي فرضٌ من الخارج لِشكلٍ فقط؛ إنّما هي مُتطلَّبٌ من داخل عهد الحبّ الزَّواجي، الذي يَتثبَّت علنًا بِطابَعِهِ كأوحَدَ وكحَصريٍّ لكي تُعاش هكذا الأمانة الكاملة لِقصدِ اللّه الخالق. هذه الأمانة بعيدةٌ عن أن تُنقِص شيئًا من حرّيّة الشخص، بل هي تَحمي تلك الحرّيّة من كلّ ذاتيّة ومن كلّ نِسبيّة، وتَجعلها تشارك في الحكمة الخالقة“ (م ع 11).

إنّ تعليم الكنيسة الكاثوليكية يَجمع هذه المُعطَيات الأساسية: ”إنّ العهد الزَّواجيّ، الذي به يُكوِّن رجلٌ وامرأة فيما بينهما جماعةً حميمة حيث الحياة والحبّ، قد تأسّس وأُضفِيَت عليه قوانينُه الخاصّة مِن قِبل الخالق. من طبيعة هذا العهد أنّه يَهدف إلى خير الزَّوجَين وأيضًا إلى إنجاب وتَربية الأبناء. وقد رُفِع هذا العهد، فيما بين مُعمَّدَين، من المسيح الربّ إلى كرامة السِّرّ ]راجع ف ر 48؛ قانون الحقّ الكنسيّ 1055، 1[“ (ت ك ك 1660).

إنّ التعليم المعروض في كتاب التعليم يَشمَل المبادئ اللاهوتية ومعها السُّلوك الأخلاقيّ، وهذه تَـتمّ معالجتُها تحت عنوانَين مختلفَين: سرّ الزّواج (رقم 1601-1658) و الوصيّة السادسة (رقم 2331-2391). القراءة الواعية لهذه الأجزاء من التعليم تُزوِّد القارئ بِفَهمٍ حديثٍ لِعقيدة الإيمان، لكي تَدعم عمل الكنيسة في مواجهة التّحدّيات المعاصرة. عملُ الكنيسة الرَّعَويّ يُستَلهَم من حقيقة الزّواج باعتبارِهِ حسبَ مُخطَّط اللّه الذي خلق الرّجل والمرأة، والذي في ملء الزّمان كشف في يسوع كذلك ملءَ الحبّ بين الزّوجين رافعًا إيّاه إلى درجة السّرّ.

إنّ الزواج المسيحي، الذي يتأسّس على الرِّضى، يَتّصف أيضًا بمفاعيل خاصّة به مثل خيرات الزّوجين وواجباتهما؛ ولكنّه لا يَفلِت من نِظام الخطيئة (راجع تك 3/1-24) الذي يُمكن أن يُسبِّب جِراحًا عميقة وأيضًا أشكالاً من الحَطّ من كرامة السّرّ نفسِهِ.

إنّ الرسالة العامّة الأخيرة للبابا فرنسيس، نور الإيمان (Lumen fidei)، تَتطرَّق إلى العائلة في علاقتها بالإيمان، وهذه العلاقة تَكشف ” كم يُمكن للرَّوابط بين البَشر أن تكون قويّة، عندما يكون اللّه حاضرًا فيما بينهم“ (ن إ 50). ”بالتالي، فإنّ المُحيط الأوّل الذي يُنير فيه الإيمانُ مدينةَ البّشر هو العائلة. أُفكِّر خُصوصًا بالاتّحاد الثابت بين الرّجل والمرأة في الزّواج. يَنشأ هذا الاتّحاد من حبِّهِما، الذي هو علامة لِحبِّ اللّه وحُضورٌ له، ولاعترافهما وقَبولِهما لِلخير المُتمثِّل في التَّنوُّع الجنسيّ الذي يَستطيع الزَّوجَين بِواسطتِهِ أن يَتّحدا كَجسدٍ واحد (راجع تك 2/24) ويُمكنُهما به أن يُنجِبا حياةً جديدة تَكون بَيانًا لِصَلاحِ الخالق ولِحكمته ولِمَقصَد حبِّه. بِثَباتِهِما في هذا الحبّ، يُمكن لِلرّجل والمرأة أن يُعاهدَ الواحدُ الآخَر بالحبّ المتبادَل، بِخطوةٍ تُلزِم حياتَهما بالكامل وتُبرِز مظاهر عديدة لِلإيمان. إنّ الوعدَ بِحبٍّ يَدوم إلى الأبد مُمكنٌ عندما نَكتشف مُخطَّطًا أكبر من مُخطَّطاتِنا، مُخطَّطًا يَسندنا ويُمَكِّننا من أن نُعطي المستقبَل بِأكمله للشخص المحبوب“ ( ن إ 52). ”إن الإيمان ليس مَلاذًا لِمَن دخل فيهم اليأس، بل هو ازدهارٌ للحياة.  

إنّه يُتيح اكتشافَ نِداءٍ عظيمٍ هو الدَّعوة إلى الحبّ، ويَمنح اليَقين بأنّ هذا الحبّ يَستحق الثِّقة، وأنه أهلٌ لأنْ نُسلِّم أنفسنا له، لأنّ أساسه في أمانة اللّه التي هي أقوى من هَشاشتنا“ (ن إ 53).

ثالثًا- أسئلة

الأسئلة التالية تُتيح لِلكنائس الخاصّة أن تُشارك بِهِمّة في إعداد اجتماع السينودس غير العاديّ، الذي يَهدف إلى إعلان البشارة وسط التّحدّيات الرَّعويّة الحاليّة المُتعلّقة بالعائلة.

 

1- حول انتشار الكتاب المقدّس وتعليم الكنيسة الرسمي الخاصّ بالعائلة

أ- ما مدى المعرفة الفعليّة لتعاليم الكتاب المقدّس، ولوثيقة المجمع ”فرح ورجاء“، ولِلحثّ الرَسولي للبابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني ” المؤسّسة العائليّة“، ولِلوثائق الأخرى لتعليم الكنيسة الرسمي الصادر بعد المجمع الفاتيكاني الثاني حول قيمة العائلة بحسب الكنيسة الكاثوليكية؟ كيف يتمّ تكوين المؤمنين نحو الحياة الأُسَريّة بِحسب تعليم الكنيسة؟

ب- حيث يكون تعليم الكنيسة مَعروفًا، هل هو مقبولٌ بِأكمله؟ هل تَبرز مشاكل عند تطبيقه؟ ما هي؟

ج- كيف يتمّ تزويد البرامج الرَّعويّة بِتعليم الكنيسة، على المستوى البلد الواحد والإبَرشيّة والرّعية؟ ما هو التعليم المسيحيّ الخاصّ بالعائلة؟

 د- إلى أي مَدى – وخُصوصًا حول أيّ مَظاهر- يكون هذا التعليم معروفًا حقًّا، ومقبولاً، أو مرفوضًا و/أو مُنتقَدًا، في الأوساط غير الكنسيّة؟ ما هي العَوامل الثقافية التي تَمنع التَّقبُّل التّامّ لتعليم الكنيسة حول العائلة؟

 

2- حول الزواج بِحسب الشريعة الطبيعية؟

أ- ما هو الحَيِّز الذي لِمفهوم الشريعة الطبيعية في الثقافة المَدنيّة، على الصّعيد المؤسَّسي والتَّربويّ والأَكاديمي، كما أيضًا على الصّعيد الشَّعبي؟ ما هي المفاهيم الأنتروپـولوجيّة – أيْ الخاصّة بالمفهوم حول الإنسان- التي تَقبَع في خلفيّة هذا الجَدل الجاري حول الأساس الطبيعي لِلعائلة؟

ب- هل تَرى أن مفهوم الشريعة الطبيعية، بالنسبة للاتحاد بين رجلٍ وامرأة، هو بِحدّ ذاته مقبولٌ بِسَلاسة مِن المعمَّدين عُمومًا؟

ج- كيف تَتمّ – من الناحيتَين العملية والنَّظريّة- مُناقَضة الشريعة الطبيعية الخاصّة بالاتّحاد بين رجلٍ وامرأة بِصَدد تكوين عائلة؟ وكيف يَتمّ طَرحُها وتَعميقُها في الهَيئات المَدنيّة والكَنسيّة؟

د- إذا طلب مُعمَّدون غير مُمارِسين، أو مَن يُعلنون عدم إيمانِهم، أن يَحتفلوا بالزّواج، كيف يُمكن مواجهة التّحدّيات الرَّعويّة المَترتِّبة على ذلك؟

3- العمل الرَّعوي الخاصّ بالعائلة في إطار التبشير

أ- في عشرات السِّنين الأخيرة، ما هي الخبرات التي نَشأت بِخُصوص الإعداد لِلزواج؟ كيف تمّ السَّعي إلى تحفيز واجب تبشير الأزواج والعائلة؟ كيف يُمكن تعزيز الوَعي بالعائلة على أنّها ”كنيسة منزليّة“؟

ب- هل توصَّلتم إلى طرح أساليبَ لِلصلاة في العائلة تَصلُح لِمقاومة الحالة المعقَّدة لِلحياة ولِلثّقافة الحاليّة؟

ج- في وضع الأزمة الحاليّة بين الأجيال، كيف استطاعت العائلات المسيحية تحقيق دعوتها الخاصّة المُتعلّقة بتوصيل الإيمان؟

د- كيف استطاعت الكنائس المحلّيّة والحركات ذات الروحانيّة الأُسَريّة خلقَ مَساراتٍ يُمكن أن تكون قُدوة؟

هـ- ما هي الإضافات المتميِّزة التي استطاع الأزواج والعائلات أن يَجلِبوها فيما يتعلّق بنشر الرّؤية المتكاملة نحو الزّوجَين ونحو العائلة المسيحية، بحيث تكون هذه الرّؤية ذات مِصداقيّة اليومَ؟

و- ما هي العِناية الرَّعائيّة التي بيَّنتها الكنيسة لأجل دعم مسيرة الأزواج الذين في مرحلة التَّكوين والذين في أزمة؟

4- حول العمل الرَّعويّ الساعي لِمواجهة بعض الحالات الزَّواجيّة الصَّعبة

أ- هل تمثّل المعاشرة بدون زواج بهدف التجربة واقعًا رعويًّا مهمًّا في كنيستكم الخاصّة؟ ما النّسبة المئويّة التي يمكن تقديرها بها عدديًّا؟

ب- هل هناك ارتباطات حرّة، غير مُعترَف بها دينيًّا أو مدنيًّا؟ هل هناك معطيات إحصائيّة أكيدة عنها؟

ج- المنفصلون والمُطلّقون المتزوّجون من جديد، هل يمثّلون واقعًا رعويًّا هامًّا في كنيستكم الخاصّة؟ ما النسبة المئويّة التي يمكن أن يُقَدَّروا بها عدديًّا؟ كيف يمكن مواجهة هذا الواقع بواسطة برامج رعويّة ملائمة؟

د- في هذه الحالات كلّها، كيف يعيش المعمّدون حالات زواجهم الغير نِظاميّة؟ هل هم على وعيٍ بها؟ هل يَكتفون باللاّمُبالاة؟ أَم هل يشعرون أنّهم مُستبعَدون ويشعرون بالألم لاستحالة نَوالهم الأسرار؟

هـ - ما هي الطّلبات التي يتوجّه بها للكنيسة الأشخاصُ المُطلّقون الذين تزوّجوا مرّة أخرى بخصوص سرّيّ الإفخارستيّا والمصالحة؟ من بين الأشخاص الذين هم في تلك الحالات، كم يطلبون هذه الأسرار؟

و- تبسيط الإجراءات القانونيّة المؤدّية للاعتراف ببُطلان الرِّباط الزّواجي، هل يمكن أن يقدّم مساهمة حقيقيّة وإيجابيّة لحلّ مشاكل الأشخاص المعنيّين؟ إذا كان الرّد بالإيجاب، فَتحت أيّة أشكال يكون هذا التبسيط؟

ز- هل هناك عمل رعويّ خاصّ للتعامل مع تلك الحالات؟ كيف يَجري هذا النشاط الرّعويّ؟ هل توجد برامج في هذا الشأن، على المستوى الإبَرشيّ والقوميّ؟ كيف تُعلن رحمةُ اللّه للأشخاص المُنفصلين وللمطلَّقين المتزوّجين ثانيةً؟ كيف يُفَعَّل سندُ الكنيسة لطريق إيمان هؤلاء الأشخاص؟

5- حول الاتّحاد بين أشخاص من نفس الجنس

أ- هل يوجد في بلدكم قانون مدني يَعتبر الاتّحاد بين أشخاص من نفس الجنس مُساويًا للزواج بأيِّ شكلٍ من الأشكال؟

ب- ما هو تصرُّف الكنائس الخاصّة والمحليّة حِيال الدولة المُحبِّذة للاتّحاد المدنيّ بين أشخاص من نفس الجنس، وكذلك حِيال الأشخاص الواقعين في هذا النوع من الاتّحاد؟

ج- ما هي العناية الرعويّة التي يمكن أن تُوجَّه لأشخاصٍ اختاروا أن يعيشوا حسب هذا النّوع من الاتّحاد؟

د- في حالات الاتّحاد بين أشخاص من نفس الجنس يكونون قد تبنّوا أطفالًا، ما هو التصرّف الرعويّ الواجب اتّخاذُه بهدف توصيل الإيمان؟

6- حول تربية الأطفال داخل حالات الزواج غير النِّظاميّة

أ- بمَ تُـقدَّر نسبة هؤلاء الأطفال والمراهقين في هذه الحالات مقارنةً بنسبة الأطفال الذين يُولدون ويَنشَؤون داخل العائلات المكوَّنة بحسب القواعد السليمة؟

ب- بأيّة حالة معنويّة يتوجّه الأهل نحو الكنيسة؟ ماذا يطلبون؟ هل يطلبون الأسرار فقط أَم يطلبون أيضًا التعليم المسيحي؟

ج- كيف تلبّي الكنائس الخاصّة احتياج والدَيْ هؤلاء الأطفال لتقدّم لهم تربيةً مسيحيّة؟

د- كيف تجري ممارسة الأسرار في تلك الحالات: الاستعداد ومنح الأسرار والمرافقة أثناء السرّ؟

7- حول انفتاح الأزواج على الحياة

أ- ما هي المعرفة الملموسة لدى المسيحيين عن التعليم الكنسيّ في وثيقة ”الحياة البشريّة“ (Humanae vitae) فيما يتعلّق بالأبوّة المسؤولة؟ ما مدى وعيِهِم بالتقييم الأخلاقيّ لمختلف طرق تنظيم النَّسل؟ من وجهة النظر الرعائيّة، ما الذي يمكن اقتراحُه للتعمُّق في هذا المجال؟

ب- هل يَحظى هذا التعليم الأخلاقيّ بالقَبول؟ ما هي المظاهر الأكثر إثارةً للمشاكل والتي تجعل هذا التعليم صعبَ القَبول من غالبيّة الأزواج؟

ج- ما هي الطُرُق الطبيعيّة التي تُعزِّزها الكنائس الخاصّة لمساعدة الزوجين على التطبيق العملي للتعليم الكنسيّ الذي تقدّمه وثيقة ”الحياة البشريّة“(Humanae vitae)؟

د- ما الخبرة في هذا الموضوع بالنسبة لممارسة سرّ المصالَحة وللاشتراك في الإفخارستيّا؟

هـ- ما المتناقضات التي تظهر في هذا المجال بين تعليم الكنيسة والتربية المدنيّة؟

و- كيف يُمكن التَّحفيز على عقليّة أكثر انفتاحًا على الإنجاب؟ كيف يتمّ التشجيع على زيادة المواليد؟

8- حول العلاقة بين العائلة والشخص

أ- يسوع المسيح يكشف سرَّ الإنسان ودعوتَه: هل تمثِّل العائلة مكانًا مُتميِّـزًا لحدوث ذلك؟

ب- ما هي الحالات الحَرجة التي قد تتواجد فيها العائلة في عالم اليوم فتمثّل عائقًا أمام لقاء الشخص مع المسيح؟

ج- إلى أيّة درجةٍ ثؤثِّر أزمات الإيمان التي قد يمرّ بها الأشخاص على الحياة العائليّة؟

9- تحدّيّات أخرى واقتراحات

فيما يتعلَّق بالمواضيع التي تمّ تناولُها في هذه الأسئلة، هل هناك تحدّيّات أو اقتراحات أخرى تعتبرونها عاجلة أو مُفيدة؟