Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

الزيارة الرّسوليّة إلى منغوليا

المؤتمّر الصّحفي في أثناء رحلة العودة من أُولانْباتار إلى روما

الاثنين 4 أيلول/سبتمبر 2023

[Multimedia]

________________________________________

 

ماتيو بروني

صباح الخير للجميع. شكرًا صاحب القداسة على هذه الأيّام المليئة باللقاءات مع هذا الشّعب الصّغير والغني بالثّقافة في أرض كبيرة كما وصفتموها، ومع جماعة مسيحيّة حيّة أيضًا، تشهد لإيمانها بحيويّة. استطاع الصحفيّون أن يهتمّوا ويَرَوا هذا المكان، وما زال لديهم بعض الأسئلة يريدون أن يطرحوها عليكم.

 

البابا فرنسيس

صباح الخير لكم جميعًا وشكرًا على مرافقتكم. شكرًا على العمل الذي قمتم به، ولأنّكم بيّنتم أيضًا من خلال وسائل الإعلام، ثقافة هذا الشّعب وتاريخه. شكرًا جزيلًا.

 

ماتيو بروني

السّؤال الأوّل مِن صحفيّ مِن منغوليا، السّيّد دامبادارجا.

 

جارغالسيكان دامبادارجا  (The Defacto Gazete)

شكرًا جزيلًا صاحب القداسة، على زيارتكم لمنغوليا. سؤالي هو: ماذا كان هدفكم الرّئيسي من هذه الزّيارة، وهل أنتم راضون عن النّتيجة التي وصلتم إليها؟

 

البابا فرنسيس

نعم، جاءت فكرة زيارة منغوليا وأنا أفكّر في الجماعة الكاثوليكيّة الصّغيرة. أقوم بهذه الزّيارات لكي أزور الجماعات الكاثوليكيّة، ولأدخل أيضًا في حوار مع تاريخ الشّعوب وثقافتها، ومع تِلك الرّوح، روحِ الشّعب الخاصّة. من المهمّ ألّا تُفهم البشارة بالإنجيل على أنّها بحثٌ عن أتباع لنا، لإنّ البحث عن الأتباع يقيّد ويحصر دائمًا. قال البابا بندكتس السّادس عشر إنّ الإيمان لا ينمو بالبحث عن أتباع، بل بالاجتذاب. إعلان الإنجيل يدخل في حوار مع الثّقافة. هي بشارة الثّقافة، وأيضًا انثقاف الإنجيل. لأنّ المسيحيّين يعبّرون أيضًا عن قيمهم المسيحيّة بثقافة شعبهم. وهذا عكس ما يمكن أن يكون الاستعمار الدّيني. بالنّسبة لِي، كان هدف الزّيارة أن أتعرّف على هذا الشّعب، وأن أدخل في حوار معه، وأن أستقبل ثقافته، وأرافق الكنيسة في مسيرتها في هذا الشّعب، مع احترامٍ كبير لثقافته. وأنا راضٍ عن النّتيجة.

 

ماتيو بروني

السّؤال الثّاني، صاحب القداسة، من السّيّد ماركاخو، من التّلفزيون المنغولي.

 

أولامبادراخ ماركاخو (ULS Suld Tv)

صراع الحضارات اليوم لا يمكن حلّه إلّا بالحوار، كما قلتم، صاحب القداسة. هل يمكن لِأُولانْباتار أن تكون منصَّة للحوار الدّولي بين أوروبّا وآسيا؟

 

البابا فرنسيس

أعتقد أنّ ذلك ممكن. أنتم لديكم أمر مهمّ جدًّا، يشجّع أيضًا هذا الحوار. أسمح لنفسي أن أسمِّيَه ”صوفيّة الجَار الثّالث“، التي تجعلكم تسيرون في سياسة ”الجَار الثّالث“. أنتَ فكِّر أنّ أُولانْباتار هي عاصمة دولة بعيدة جدًّا عن البحر، ويمكن أن نقول إنّ أرضكم تقع بين قُوَّتَين كبيرتَين، روسيا والصّين. ولهذا السّبب، روحكم الصّوفيّة، تقوم بالبحث عن الحوار أيضًا مع ”الجَار الثّالث“ (روسيا والصّين): ليس من مُنطلق التّخفيف من قيمة هذين الجارين، لأنّ لديكم علاقات جيّدة مع كليهما، بل من مُنطلق الرّغبة في الشّموليّة، ولكي تُظهروا قيمكم الخاصّة للعالم أجمع، ولتأخذوا أيضًا من الآخرين قيمهم، حتّى يقودكم ذلك إلى الحوار. مثيرٌ للاهتمام أنّه في التّاريخ، الذهاب إلى أراض أخرى كان غالبًا يختلط مع الاستعمار، أو كان دخول الأراضي للسّيطرة عليها. أمّا أنتم، فمع صوفيّة الجَار الثّالث، لديكم فلسفة الذّهاب لطلب الحوار. أحببت كثيرًا هذا التّعبير ”الجَار الثّالث“. هذا غِناكم.

 

ماتيو بروني

شكرًا، صاحب القداسة. السّؤال الثّالث من كريستينا كابريجاس من EFE.

 

كريستينا كابريجاس (EFE)

صباح الخير قداسة البابا فرنسيس. هذا السّؤال هو سؤال مجموعة اللغة الإسبانيّة. قداسة البابا فرنسيس، وجّهتم بالأمس رسالة إلى الشّعب الصّيني، وطلبتم من الكاثوليك أن يكونوا مواطنين صالحين، بعد أن قامت سُلطات البلاد بمنع الأساقفة من المجيء إلى منغوليا. في هذه الحال، كيف هي العلاقات مع الصّين في الوقت الرّاهن؟ وهل هناك جديد عن زيارة الكاردينال تزوبي إلى بكِين وعن رسالته في أوكرانيا؟ شكرًا.

 

البابا فرنسيس

رسالة الكاردينال تزوبي هي رسالة سلام كلَّفْتُه بها. وقد خطَّط هو أن يَزُور موسكو وكيِيف والولايات المتّحدة الأمريكيّة وبكين أيضًا. الكاردينال تزوبي رجل حوار كبير وصاحب رؤية شموليّة، وله في تاريخه خبرة العمل الذي قام به في الموزمبيق من أجل السّلام ومن أجل كلّ هذه الأمور، ولذلك أرسلته هو. العلاقات مع الصّين مليئة بالاحترام، مليئة بالاحترام جدًّا. شخصيًّا، أنا مُعجبٌ جدًّا بالشّعب الصّيني، شعبٌ مُنفتحٌ جدًّا، لنقل كذلك... ولتعيين الأساقفة، هناك لجنة تعمل مع الحكومة الصّينيّة والفاتيكان، منذ زمن، إنّه حِوار. ثمَّ هناك بعض الكهنة الكاثوليك أو المثقّفون الكاثوليك الذين تمّت دعوتهم لِيُدَرِّسوا في الجامعات الصّينيّة. بهذا المعنى، هناك حوارٌ مفتوح. أظُنّ أنّه علينا أن نتقدّم أكثر في الجانب الدّيني، حتّى نزداد فهمًا بعضنا لبعض. يجب ألّا يفكّر المواطنون الصّينيّون أنّ الكنيسة لا تقبل ثقافتهم وقيمهم، وأنّ الكنيسة مرتبطة بقوّة غريبة أخرى. واللجنة التي يرأسها الكاردينال بارولين تسير جيّدًا في هذا المسار الوِدِّي: إنّها تقوم بعمل جيّد، ومن الجانب الصّيني أيضًا، هكذا هي العلاقات، إنّها مسيرة، إن أردنا أن نقولها بكلمة واحدة. أنا احترم الشّعب الصّينيّ احترامًا كبيرًا.

ثمَّ، ماذا كان السّؤال الآخر؟...

 

ماتيو بروني

كان عن الكردينال تزوبي، هل هناك من جديد في رسالته.

 

البابا فرنسيس

 قلت ذلك في البداية. لنتابع.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة. السّؤال الرّابع من جيرارد أوكونيل من (America Magazine).

 

جيرارد أوكونيل (America Magazine)

صاحب القداسة، بما أنّ العلاقات بين الفيتنام والكرسي الرّسولي إيجابيّة بما فيه الكفاية، وقد تقدمت خُطوة مهمّة إلى الأمام مؤخّرًا. طلب الكثير من الكاثوليك الفيتناميّين أن تزوروهم مثلما زُرتم منغوليا. سؤالي هو التّالي: هل لديكم الإمكانيّة الآن لزيارة الفيتنام، وهل هناك دعوة من الحكومة؟ وما هي الزّيارات الأخرى التي في برنامجكم؟ شكرًا.

 

البابا فرنسيس

الفيتنام هو إحدى خبرات الحوار الجميلة التي عاشتها الكنيسة في الآونة الأخيرة. أودّ أن أقول إنّه... لا أعلم، فيه تعاطف مع الحوار. كان لدى كِلا الجانبين نيَّة حسنة لفهم بعضهما البعض وللبحث عن طُرُقٍ للتقدّم في الحوار. كان هناك بعض المشاكل، لكن أرى أنّ المشاكل في الفيتنام يتمّ تجاوزها عاجلًا أم آجلًا. التقيت منذ فترة قصيرة مع رئيس الفيتنام وتكلّمنا بحرّيّة. أنا متفائل جدًّا بشأن العلاقات مع الفيتنام. وبهذا الخصوص، هناك عمل جيّد مستمرّ منذ سنوات. أتذكّر – أعتقد منذ أربع سنوات – أنّه جاءت مجموعة من البرلمانيّين الفيتناميّين لزيارتي: كان حوارنا جميلًا جدًّا، كلهم احترام. عندما تنفتح ثقافة ما، يمكن الحوار، لكن، إن انغلقت أو كانت هناك شكوك، فالحوار صعب جدًّا. أقول إنّ الحوار مع الفيتنام مفتوح، بإيجابيّاته وسلبيّاته، لكنّه حوار مفتوح، ويتقدّم ببطء. حصلت بعض المشاكل، لكنّها حُلَّت.

ثمّ، بالنّسبة إلى زيارة الفيتنام: إن لم أذهب أنا، فبالتّأكيد سيذهب يوحنّا الرّابع والعشرون. هذه الزّيارة ستتمّ بالتّأكيد، لأنّ الفيتنام أرض تستحقّ أن تتقدم، وأنا أتعاطف معها. وفيما يتعلّق بالزّيارات الأخرى: هناك مرسيليا... ثمّ هناك زيارة إلى بلد صغير في أوروبّا، وما زلنا ننظر هل يمكن أن نقوم بها... لكن، سأقول لكم الحقيقة، بالنّسبة لِي، لم يعد سهلًا عليَّ الآن أن أقوم بزيارة كما في البداية، صار المشي صعبًا، وهذا يحدُّ قليلًا. سنرى.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة. السّؤال الآخر من فاوستو غاسباروني من (ANSA)، من المجموعة الإيطاليّة.

 

فاوستو غاسباروني (ANSA)

صاحب القداسة، سأطرح سؤالي باسم المجموعة الإيطاليّة. أثارت تصريحاتكم التي وجّهتموها مؤخّرًا إلى الشّباب الكاثوليك الرّوس بشأن الأمّ الكبيرة روسيا، وبعض شخصيّاتها مثل بطرس الكبير وكاثرينا الثّانية، أثارت جدلًا ونقاشًا. إنّها تصريحات أغضبت كثيرًا الأوكرانيّين على سبيل المثال، وكانت لها ردود فعل في المجال الدّبلوماسيّ أيضًا، وبَدَت قليلًا على أنّها تقريبًا إعلاء للإمبرياليّة الرّوسيّة ونوعًا من التّأييد أيضًا لسياسات بوتن. أردتُ أن أسألكم، لماذا شعرتم بالحاجة إلى الإدلاء بهذه التّصريحات، وهل فكّرتم في مناسبة الإدلاء بها، وهل ستكرّرونها؟ وأيضًا، من أجل التّوضيح، هل يمكنكم أن تقولوا لنا ما هو رأيكم بالإمبرياليّات، وخاصّة الإمبرياليّة الرّوسيّة؟

 

البابا فرنسيس

لنحدّد المكان الذي حدث فيه الأمر: كان حوارًا مع الشّباب الرّوس. في نهاية الحوار أعطيتهم رسالة، وهي رسالة أكرّرها دائمًا: أن يقبلوا تراثهم. هذا أوّلًا: اقبلوا تراثكم. الأمر نفسه أقوله في كلّ مكان. وبهذه الرّؤية أحاول أيضًا أن أولّد حوارًا بين الأجداد والأحفاد: أن يأخذ الأحفاد التّراث على عاتقهم. هذا القول أقوله في كلّ مكان، كانت تلك هي الرّسالة. الخطوة الثّانية، لكي أوضّح التّراث: تكلّمت على روسيا الكبرى، لأنّ التّراث الرّوسي جيّد جدًّا، وجميل جدًّا. فكّر في مجال الأدب، وفي مجال الموسيقى، وصولًا إلى دوستويفسكي الذي يكلّمنا اليوم على الإنسانيّة النّاضجة، الذي أخذ على عاتقه هذه الإنسانيّة التي تطوّرت في الفنّ وفي الأدب. هذه هي النّقطة الثّانية لِمَا قلته عن التّراث. والنّقطة الثّالثة، ربّما لم تكن موفقة، لكن بالكلام على روسيا الكبرى، وليس بالمعنى الجغرافي، بل بالمعنى الثّقافي، تبادر إلى ذِهني ما علّمونا إيّاه في المدرسة: بطرس الأوّل، وكاثرينا الثّانية، وهكذا جاء هذا الجانب الثّالث، الذي ربما لم يكن صحيحًا تمامًا، لا أعرف، لِيَقُلْ لنا المؤرّخون هل هو صحيح أم لا، لكنّها كانت إضافة تبادرت إلى ذِهني لأنّي درستها في المدرسة. ما قُلته للشّباب الرّوس هو أن يحملوا مسؤوليّة تراثهم، وأن يعرفوا تراثهم ويقبلوه، وهذا يعني ”ألّا يذهبوا ليبحثوا عن تراث آخر في مكان آخر. أن يقبلوا تراثهم. وأيُّ تراث؟ تراث روسيا الكبرى: الثّقافة الرّوسيّة ثقافة جميلة وعميقة جدًّا، ويجب ألّا نغيِّبَها بسبب مشاكل سياسيّة. مرَّت روسيا بسنوات – سياسيّة - مظلمة، لكن التّراث بقي دائمًا على ما هو عليه، وحاضر.

ثمَّ، "تكلّمْتَ على الإمبرياليّة". في الحقيقة، لم أكن أفكّر في الإمبرياليّة عندما قلت ذلك، بل تكلّمت على الثّقافة، ونقل الثّقافة ليس أبدًا عملًا إمبرياليًّا، على الإطلاق، بل هو دائمًا حوار، تكلّمت على هذا. صحيح أنّ هناك إمبرياليّين يريدون أن يفرضوا أيديولوجيّتهم. سأتوقّف عند هذا الأمر: عندما يتمّ ”تقطير“ الثّقافة وتحويلها إلى أيديولوجيّة، هذا هو السّمّ. تُستَخدَم الثّقافة، لكنّها ”مقطَّرة“ ومحوَّلة إلى أيديولوجيّة. هنا يجب أن نميِّز: هل نتكلّم على ثقافة شعب، أم على أيديولوجيات تنشأ مع بعض الفلاسفة، أو بعض السّياسيّين في ذلك الشّعب. وهذا الكلام أقوله للجميع، وللكنيسة أيضًا: أحيانًا يضعون الأيدولوجيّات داخل الكنيسة، التي تفصل الكنيسة عن الحياة التي تأتي من الجذور مرتفعة نحو الأعلى، وتفصل الكنيسة عن تأثير واندفاع الرّوح القدس. الأيديولوجيّة غير قادرة أن تتجسَّد، لأنّها مجرّد فكرة. لكن، الأيديولوجيّة تقوى حين تصير سياسة، وعادة تصير دكتاتوريّة، وتصير غير قادرة على الحوار والسّير مع الثّقافات. والإمبرياليّات تصنع ذلك. تتوطّد الإمبرياليّة دائمًا على أساس أيديولوجيّة. علينا أن نميّز في الكنيسة أيضًا، بين العقيدة والأيديولوجيّة: العقيدة الحقيقيّة ليست أيديولوجيّة إطلاقًا، العقيدة متجذّرة في شعب الله المقدّس والأمين، بينما الأيديولوجيّة منفصلة عن الواقع، ومنفصلة عن الشّعب... لا أدري هل أجبت على السّؤال.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة. السّؤال الآخر من روبرت ميسنر من (DPA).

 

روبرت ميسنر (DPA)

صباح الخير. عندي سؤال بخصوص تحديثكم للرّسالة العامّة البابويّة "كُن مسبِّحًا". أريد أن أسأل هل مشاركتكم في حماية البيئة وهذا التّحديث للرّسالة يمكن أن نفهمه على أنّه تضامن مع الجماعات النّاشطة لحماية البيئة مثل ”الجيل الأخير“، والذين يقومون بمظاهرات صاخبة ؟ هل يمكن أن نفهم ذلك، أم ربّما هناك أيضًا رسالة في هذا التّحديث للنّاشطين الشّباب، الذين ينزلون إلى الشّارع؟ شكرًا جزيلًا.

 

البابا فرنسيس

بشكل عام، لا أتكلّم على هؤلاء المتطرّفين. لكن الشّباب قلقون، لأنّه مستقبلهم. عندما التقينا في الأكاديميّة (الأكاديميّة العلميّة)، ألقى عالمٌ إيطاليٌّ جيِّد مداخلة جميلة وانتهى بقوله: "لا أريد لحفيدتي، التي ولدت أمس، أن تعيش بعد ثلاثين سنة في مثل هذا العالم القبيح". الشّباب يفكّرون في المستقبل. وبهذا المعنى يعجبني أنّهم يحاربون بشكل جيّد. لكن، عندما تدخل أيديولوجيّة ما أو ضغط سياسيّ أو عندما يستخدمونهم لهذا الغرض، فهذا ليس جيّدًا. الإرشاد الرّسوليّ الذي سيصدر في عيد القدّيس فرنسيس، 4 تشرين الأوّل/أكتوبر، هو مراجعة لما حدث في مؤتمر الأطراف (Cop) في باريس، الذي ربّما كان أكثر المؤتمرات فائدة حتّى الآن. هناك بعض الأخبار حول بعض مؤتمرات (Cop) وبعض الأمور التي لم يتمّ حلّها بعد، والحاجة مُلِحَّة لحلّها. هذا الإرشاد ليس كبيرًا مثل الرّسالة العامّة البابويّة "كُن مسبِّحًا"، لكنّه يتقدّم بها ليضعها في قلب الأمور الجديدة. وهو أيضًا تحليلٌ للوضع.

 

ماتيو بروني

شكرًا. هناك سؤال من مجموعة اللغة الفرنسيّة، من إتيان لوريير.

 

إتيان لوريير (KTO Tv)

صباح الخير صاحب القداسة. تريدون أن تتكوَّن كنيسة سينوديّة، في منغوليا وفي العالم. الجمعيّة التي ستُعقَد في تشرين الأوّل/أكتوبر هي بالفعل ثمرة عمل شعب الله. كيف يمكن أن نُشرِك المعمّدين من كلّ أنحاء العالم في هذه المرحلة؟ كيف يمكن أن نتجنَّب الاستقطاب الأيديولوجي؟ وهل يتمكّن المشاركون من الكلام والمشاركة علانية بحسب ما يعيشونه، حتّى نسير معهم؟ أم أنّ العمليّة بأكملها ستكون سريَّة؟ شكرًا.

 

البابا فرنسيس

تكلَّمتَ على كيف نتجنَّب الضّغوطات الأيديولوجيّة: إنّه دائمًا الأمر نفسه. لا يوجد مكان للأيديولوجيّة في السّينودس، إنّها ديناميكيّة أخرى. السّينودس هو الحوار، الحوار بين المعمّدين، وبين أعضاء الكنيسة، حول حياة الكنيسة، وحول الحوار مع العالم، وحول المشاكل التي تهُمّ البشريّة اليوم. أمّا إن فكّرنا في طريقة أيديولوجيّة، فقد انتهى السّينودس. لا مكان للأيديولوجيّة في السّينودس: بل فيه حوار، ومواجهة بين الإخوة والأخوات، ومواجهة مع عقيدة الكنيسة. وهكذا نتقدّم. ثمّ، أريد أن أؤكّد أنّ موضوع السّينودس ليس من اختراعي: بل هو من القدّيس بولس السّادس. لمَّا انتهى المجمع الفاتيكاني الثّاني، أدرك أنّ الكنيسة في الغرب فقدت البُعد السّينوديّ. الكنيسة الشّرقية لديها هذا البُعد. لذلك أنشأ أمانة سرّ سينودس الأساقفة، التي أكملت التّفكير بطريقة سينوديّة خلال السّتين سنة الماضية، وظل يتقدّم باستمرار، إلى الأمام. في الذّكرى الخمسين لقرار القدّيس بولس السّادس هذا، وقَّعْتُ ونشَرْتُ وثيقة حول ما هو السّينودس وما الذي تمّ تحقيقه. والآن السّينودس تقدّم إلى الأمام، وازداد نضوجًا، ولهذا، فكّرت أنّه حسنٌ جدًّا أن نعقد سينودسًا حول السّينوديّة في الكنيسة – وهذه ليست موضة جديدة، بل هي أمر قديم، وكانت دائمًا موجودة في الكنيسة الشّرقية -: فالسّؤال هو كيف نعيش السّينوديّة، وكيف نعيشها كمسيحيّين، كما قلت أوّلًا، من دون أن نقع في الأيديولوجيّات. لا أعلم هل أجبت على السّؤال، أم هناك شيء آخر...

 

إتيان لوريير

عمليّة الجمعيّة ستكون سريّة أم لا؟

 

البابا فرنسيس

هناك أمرٌ واحد علينا أن نحافظ عليه: وهو الجوّ السّينوديّ. وهو ليس برنامجًا تلفزيونيًّا نتكلّم فيه على كلّ شيء. لا، هذا وقت للأمور الدّينيّة، ولتبادل الأفكار حول الشّؤون الدّينيّة. فكّر أنّه في المداخلات السّينوديّة، سيتكلّم ثلاثة، كلّ واحد يتكلّم من ثلاث إلى أربع دقائق، ثمّ، هناك ثلاث إلى أربع دقائق صمت للصّلاة. ثمّ يتكلّم ثلاثة آخرون، ثم صلاة. بدون روح الصّلاة هذه لا توجد سينوديّة، بل تكون سياسة، أو برلمان. السّينودس ليس برلمانًا. فيما يتعلّق بالسّريّة: يوجد قسم برئاسة الدّكتور روفيني، الحاضر هنا، الذي سيصدر بيانات صحفيّة حول سير أعمال السّينودس. من الضّروري في السّينودس أن نحافظ على الطّابع الدّينيّ وعلى حرّيّة الأشخاص الذين يتكلّمون. لذلك يوجد لجنة، برئاسة الدّكتور روفيني، التي ستقدّم المعلومات حول مسيرة السّينودس.

 

ماتيو بروني

السّؤال الأخر من أنطونيو بيلايو، الذي تعرفونه جيّدًا، من Vida Nueva.

 

أنطونيو بيلايو (Vida Nueva)

أيها الأب الاقدس. تكلّمتم الآن على السّينودس، وكلّنا متّفقون معكم أنّ هذا السّينودس يثير الكثير من الفضول والكثير من الاهتمام. لكن، للأسف، يثير أيضًا الكثير من الانتقادات، التي تأتي من أوساط كاثوليكيّة: أريد أن أشير إلى كتاب، كَتَبَ مقدّمته الكاردينال بورك، الذي قال إنّ السّينودس هو صندوق باندورا الذي ستخرج منه كلّ المصائب للكنيسة. ما رأيكم في هذا الموقف؟ وهل تعتقدون أنّ الواقع سيتخطّى هذا الموقف أم إنّه سيؤثّر على السّينودس؟

 

البابا فرنسيس

لا أعلم هل قلت ذلك مُسبقًا. قبل بضعة أشهر، اتّصلْتُ بدير للرّاهبات الكرمليّات، وقلت للأمّ الرّئيسة التي أجابتني: ”كيف حال الرّاهبات أيّتها الأمّ الرّئيسة؟“ - كان ديرًا للكرمليّات ليس إيطاليًّا - وفي النّهاية قالت لِي: ”صاحب القداسة، نحن خائفات من السّينودس“. فأجبتُها مازحًا: ”ماذا يحدث؟ هل تُرِدنَ أن تُرسِلنَ راهبة إلى السّينودس؟“ أجابت: ”لا، نحن نخاف أن يغيّر عقيدتنا“. هذا ما تقوله أنت أيضًا: يوجد هذه الفكرة حول السّينودس. لكن، إن ذهبنا إلى جذور هذه الأفكار، ستجد أيديولوجيّات. دائمًا، عندما يراد مهاجمة مسيرة الشّركة في الكنيسة، ما يهاجمونه هو دائمًا أيدولوجيّة. ويتّهمون الكنيسة بهذا الأمر أو بذاك، لكنّهم لا يتّهمونها أبدًا بما هو حقيقيّ: بأنّها خاطئة. لا يقولون أبدًا: ”إنّها خاطئة“. بل يدافعون عن ”تعليم“، بين مزدوجين،  وهو تعليم مثل الماء المقطَّرة ليس فيه شيء، وليس التّعليم الكاثوليكيّ الحقيقيّ، الموجود في قانون الإيمان. غالبًا تكون العقيدة الكاثوليكيّة الحقيقيّة سبب شكٍّ وعثرة، كما تشكّك الفكرة أنّ الله صار جسدًا، وأنّ الله صار إنسانًا، وأنّ السّيّدة مريم العذراء حافظت على بتوليّتها... هذا يُشَكِّك. والعقيدة الكاثوليكيّة تُشَكِّكُ أحيانًا. أمّا الأيدولوجيّات فكلّها "مُصَفَّاة"، ولا تُشكّك إطلاقًا.

 

ماتيو بروني

شكرًا، صاحب القداسة. ربما نبدل الحرس مرّة أخرى. أطلب من سيندي وودن الحضور إلى هنا من أجل السّؤال الآخر.

 

سيندي وودن (CNS)

صباح الخير صاحب القداسة. أودّ أن أتابع سؤال الزّميل الفرنسي حول السّينودس والإعلام. كرّس العديد من المؤمنين العلمانيّين الكثير من الوقت والصّلاة والمشاركة، وتكلّموا وأصغوا. يريدون أن يعرفوا ماذا سيحدث خلال السّينودس والجمعيّة. وتكلّمتم على خبرتكم في السّينودس حول المكرّسين، وقد قال فيه بعض أعضاء السّينودس: ”لا تضعوا هذا“، ”بل ضعوا هذا“ و ”لا يمكن أن يقال هذا...“. بما أنّنا نحن الصّحفيّين لا نملك حتّى إمكانية الدّخول إلى الجمعيّة وإلى الجلسات العامّة، كيف يمكننا أن نتأكّد مِن أنّ المعلومات التي تُعطى لنا هي صحيحة؟ هل هناك فرصة لأن يكون السّينودس أكثر انفتاحًا للصّحفيّين؟

 

البابا فرنسيس

على العكس، إنّه مُنفتح جدًّا، أيّتها العزيزة، إنّه مُنفتح جدًّا! هناك لجنة يرأسها روفيني ستقدّم الأخبار كلّ يوم: أن يكون أكثر انفتاحًا من ذلك، لا أعلم! وما هو جيّد هو أنّ هذه اللجنة ستحترم كثيرًا مداخلات الجميع، وستحاول ألّا تُثرثِر، بل أن تقول الأمور المتعلّقة بتقدّم السّينودس، والتي هي بنّاءة للكنيسة. إن أراد أحدهم أن تكون الأخبار: ”هذا غَضِبَ على هذا لهذا السّبب أو ذاك“، هذه ثرثرة سياسيّة. لا، اللجنة لها مهمّة غير سهلة، وهي أن تقول: ”اليوم سار التّفكير بهذا الاتّجاه، أو سار على هذا النّحو“، وأن تنقل الرّوح الكنسيّة، لا الرّوح السّياسيّة. السّينودس يختلف عن البرلمان. لا تَنْسي أنّ الشّخصيّة الرّئيسيّة في السّينودس هو الرّوح القدس. وكيف ننقل ذلك؟ لهذا، على اللجنة أن تنقل مسيرة كنسيّة. شكرًا، شكرًا على شجاعتكِ لقول هذا الكلام.

 

ماتيو بروني

شكرًا. سؤال آخر من فينشينتسو روميو من TG 2. ثمَّ يمكننا أن نُنهي اللقاء.

 

فينشينتسو روميو (RAI TG 2)

صباح الخير صاحب القداسة. أنتم بابا الأطراف المُهمّشة، والأطراف المُهمّشة في هذه اللحظة، وخاصّة في إيطاليا، تتألّم كثيرًا. شَهِدنَا حوادث عُنف وانحطاط مثيرة جدًّا للقلق. على سبيل المثال، بالقرب من نابولي، حيث دعاكم كاهن رعية، الأب باتريتشيلو، أن تذهبوا، ثمَّ إلى باليرمو... ماذا يمكننا أن نفعل؟ كنتم تزورون ”حارات التّاعسين“ (villas miserias) في بوينس آيرس، إذًا، لديكم خبرة في ذلك. وزارت رئيسة وزرائنا أيضًا إحدى هذه الأطراف المهمّشة، وهناك نقاش كثير. ماذا يمكننا أن نفعل، برأيكم، وماذا يمكنها أن تفعل الكنيسة، والمؤسّسات، والدّولة، للتغلُّب على هذا التّدهور، ولتصير الأطراف المهمّشة حقًّا جزءًا من البلد؟

 

البابا فرنسيس

نعم، بكلامك هذا، أنت تقصد الأطراف المهمّشة والأحياء الفقيرة... علينا أن نستمرّ، وأن نذهب إلى هناك ونعمل هناك، كما كنّا نعمل في بوينس آيرس مع الكهنة الذين كانوا يعملون في تلك الأماكن: كان هناك مجموعة من الكهنة مع أسقف مُساعد على رأس هذه المجموعة، وكانوا يعملون هناك. علينا أن نكون منفتحين على هذا الأمر، وعلى الحكومات أن تكون منفتحة، حكومات العالم كلّه. هناك أطراف مهمّشة في حالة مأساويّة. سأتكلّم على إحدى الأطراف المهمّشة المُشَكِّكَة، التي يحاولون أن يخفوها: وهي منطقة الرّوهينجا. سُكّان الرّوهينجا يتألّمون، وهم ليسوا مسيحيّين، بل هم مسلمون، وهُم يتألّمون لأنّهم نُقِلُوا إلى الأطراف المهمّشة، وتمّ طردهم. علينا أن نرى أنواع الأطراف المهمّشة المختلفة، وأن نتعلّم أيضًا أنّ الواقع الإنسانيّ فيها يبدو أكثر وُضوحًا وأقل تعقيدًا. هُم يعيشون لحظات سيّئة، ولا أريد أن أجعلها مثاليّة، ولكن فيها يمكننا أن ندرك الواقع الإنسانيّ بشكلٍ أفضل. قال أحدُ الفلاسفة مرّة، أمرًا أثّر فيَّ كثيرًا: ”يمكننا أن نفهم الواقع بشكلٍ أفضل من الأطراف المهمّشة“. هناك نَفهم الواقع جيّدًا. علينا أن نتحاور مع الأطراف المهمّشة، وعلى الحكومات أن تحقّق العدل الاجتماعيّ الحقيقيّ، مع الأطراف المهمّشة الاجتماعيّة المختلفة، وأيضًا مع الأطراف المهمّشة الأيديولوجيّة. علينا أن نذهب ونتحاور، هناك، لأنّه غالبًا بعض الأطراف المهمّشة الأيديولوجيّة هي التي تسبّب الأطراف المهمّشة الاجتماعيّة. عَالَمُ الأطراف المهمّشة ليس سهلًا. شكرًا.

 

ماتيو بروني

ربّما يمكننا أن نُنهي اللقاء هنا، أيضًا لأنّ الخدمة بدأت على الطّائرة، وبدأت تتشكّل بعض الاضطرابات الجويّة. عَمَل جيّد للجميع.

 

*******

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023



Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana