Index

Back Top Print

[AR - DE - EN - ES - FR - IT - ML - PL - PT]

 

جمعة الآلام

درب الصليب 2020

تأمّلات من سجن بادوفا

[Multimedia]

Way of the Cross led by His Holiness Pope Francis
VIA CRUCIS
MAIOLICHE (1757)
ERETTE DALL’ARCICONFRATERNITA DEI TEUTONICI
CIMITERO TEUTONICO
CITTÀ DEL VATICANO

 

STATIONS OF THE CROSS 2020

Meditations from Padua Prison

 

I a prisoner serving a life sentence
II  two parents whose daughter was murdered
III   a prisoner
IV   the mother of a prisoner
V a prisoner
VI  a catechist
VII    a prisoner
VIII         the daughter of a man sentenced to life imprisonment
IX   a prisoner
a prison teacher
XI    a priest accused and later acquitted
XII    a civil magistrate
XIII      a volunteer religious Brother
XIV    a corrections officer

 

مقدّمة

كُتبَت تأمّلات درب الصليب لهذا العام تحت إشراف رُعاة سجن "القصرّيْن" (Due Palazzi) في بادوفا. بناءً على طلب البابا فرنسيس، قام أربعة عشر شخصبالتأمل في آلام ربّنا يسوع المسيح مطبقين إياها على حياتهم. يوجد بين هؤلاء خمسة سجناء، وعائلة وقعت ضحيّة جريمة قتل، وابنة لرجل حُكِم عليه بالسجن المؤبّد، ومربّية تعمل في السجن، ومأمور تابع لخدمة المراقبة، ووالدة أحد السجناء، ومعلّمة تعليم مسيحيّ، وراهب متطوّع، وضابط تابع لشرطة السجن، وكاهن اتُّهِم ثم أبرأته المحكمة نهائيًّا بعد ثمان سنوات من الجلسات القضائية.

إن مرافقة المسيح على درب الصليب بأصواتٍ خافتة، أصوات الذين يعيشون في عالم السجون، هي فرصة لمشاهدة الصراع المذهل بين الحياة والموت، حيث نكتشف كيف تتداخل خيوطُ الخير حتمًا مع خيوط الشرّ. فالتأمّل في الجلجلة من خلف القضبان هو أن نؤمن بأن الحياة بكاملها يمكن أن تتغيّر في بضع لحظات، كما حدث للصّ اليمين. يكفي أن نملأ تلك اللحظات بالحقيقة: أي بتوبة عن الذنب المرتكب، وبالاقتناع بأن الموت ليسهو السيد إلى الأبد، وباليقين أن المسيح هو البريء الذي حكموا عليه ظلمًا. كلّ شيء ممكن للذين يؤمنون، لأن صدى البشارة المملوءة رجاء يتردّد حتى في ظلام السجون: "ما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله" (لو 1، 37). مجرد مصافحة يدَ رجلٍ استطاع أن يرتكب أبشع جريمة، يمكن إن يحوِّله بصورة غير متوقعة إلى إنسان مشارك في القيامة. "حتى عندما نسرد الشرّ والمعاناة، يمكننا أن نترك فسحةً للخلاص، ويمكننا أن نتعرّف على ديناميكيّة الخير حتى وسط الشرّ ونمنحها فسحة حياة" (را. رسالة البابا بمناسبة اليوم العالمي لوسائل التواصل الاجتماعية 2020).

هكذا يصبح دربُ الصليب دربَ النور.

النصوص التي جمعها الأب ماركو بودزا والمتطوّعة تاتيانا ماريو، كتبها الأشخاص باسمهم الشخصيّ، ولكن تمّ الاتّفاق على عدم كشف أسمائهم: مَن شارك في هذا التأمّل أراد أن يعير صوته لجميع الذين، في العالم، يعيشونالأوضاع نفسها. فصوت أيّ واحد منهم، هذه الليلة، في صمت السجون، يريد أن يصبح صوت الجميع.


صلاة

أيها الإله الآب القدير،

يا مَن تحمّلت، في ابنك يسوع المسيح،

آلام الإنسانية ومعاناتها،

أتجرّأ اليوم،مثل اللص التائب، وأتوسّل إليك: "أذكرني!"

أنا هنا، أقف أمامك، في عتمة هذا السجن،

فقيرًا وعريانًا وجائعًا ويائسًا،

وأسألك أن تسكب على جراحاتي

زيت الغفران والعزاء،

وخمرة إخاءٍ تقوّي القلب.

إشفني بنعمتك وعلّمنيأن أرجو في اليأس.

ربّي وإلهي، أنا أؤمن، شَدِّدْ إِيمانيَ الضَّعيف.

أيها الآب الرحيم، لا تنزع ثقتك منّي،

امنحني فرصة جديدة،

لا تكف عن معانقتي بحبّك اللامتناهي.

بمساعدتك،وبعطية الروح القدس،

سأكون أنا أيضًا قادرًا على معرفتك

وخدمتك في إخوتي.

آمين.


المرحلة الأولى

يسوع يُحكَم عليه بالموت

* (كتب هذا التأمّل أحد المحكومين عليهم بالسجن المؤبّد)

"خاطَبَهُم بيلاطُسُ ثانِيَةً لِرَغْبَتِه في إِطلاقِ يسوع. فصاحوا: “اِصلِبْهُ، اصلِبْه!“ فقالَ لَهم ثالثةً. “فأَيَّ شَرٍّ فَعَلَ هذا الرَّجُل؟ لم أَجِدْ سَبَباً يَستَوجِبُ به الموت، فسأُعاقِبُه ثُمَّ أُطلِقُه”. فأَلَحُّوا علَيه بِأَعلى أَصواتِهِم طالبينَ أَن يُصلَب، وَاشتَدَّ صِياحُهم. فقَضى بيلاطُسُ بِإِجابَةِ طَلَبِهم (لو 23، 20- 24)".

تتردّد مرّات عديدة، في المحاكم والصحف، تلك الصرخة: "اصلبه، اصلبه!". صرخة سمعتُها أيضًا في حقي: حُكم عليّ مع والدي بالسجن المؤبّد. بدأ صلبي عندما كنت طفلًا: حين أفكّر في الأمر، أجد نفسي جاثمًا في الحافلة التي تأخذني إلى المدرسة، مهمّشًا بسبب تلعثمي في الكلام، وفقيرًا في علاقات مع الآخرين. بدأت بالعمل وأنا صغير، دون أن أتمكّن من الدراسة: وسيطر الجهلُ على سذاجتي. ثم سَرَقَ التنمّرُ ومضاتِ الطفولة من ذلك الطفل المولود في كالابريا في السبعينيات. أنا أشبه بَرأَبَّا أكثر من المسيح، لكن الإدانة الأكثر شراسة ما زالت إدانة ضميري لي: في الليل، أفتح عيني وأبحث بيأسٍ عن مور يضيء قصّتي.

عندما أعيد، وأنا في زنزانتي، قراءة صفحات آلام المسيح انفجر بالبكاء: بعد تسعة وعشرين عامًا في السجن، لم أفقد بعد القدرة على البكاء، والخجل من تاريخي الماضي ومن الشرّ الذي ارتكبته. أشعر أني بَرأَبَّا وبطرس ويهوذا في شخص واحد. الماضي يشعرني بالاشمئزاز، على الرغم من أنني أعلم أنها قصّتي. لقد عشت سنوات تحت نظام المادّة 41-مكرّر [مادّة من قانون السجون الإيطالية] وتوفّي والدي تحت هذا النظام نفسه. سمعته عدّة مرّات يبكي ليلًا في زنزانته. كان يبكي سرًّا لكنني أدركت ذلك. كلانا كان في الظلام الدامس. لكن في تلك اللا-حياة، كنت أبحث دائمًا عن شيء يحملُ في ذاته الحياة: من الغريب أن أقول ذلك، لكن، السجن كان خلاصي. إن كنتُ ما زلت بَرأَبَّا بالنسبة لأحدهم، فلن أغضب: أشعر في قلبي أن ذلك الإنسان البريء، المحكوم عليه مثلي، جاء للبحث عنّي في السجن كي يعلّمني كيف أحيا.

أيها الربّ يسوع، على الرغم من الصراخ والصخب الذي يلهينا، إننا نلمحك بين حشود الذين يصرخون بضرورة صلبك. وربما نحن أيضًا من بينهم، غير مدركين للشرّ الذي يمكن أن نفعله. من زنزاناتنا نريد أن نصلّي لأبيك من أجل الذين حُكِمَ عليهم بالموت مثلك ومن أجل الذين ما زالوا يريدون أن يأخذوا مكانك في الدينونة الأخيرة.

صلاة

اللهمّ، يا محب الحياة، يا من يمنحن دومًا في المصالحة فرصةً جديدة لنفرح برحمتك اللامتناهية، نسألك أن تفيض فينا موهبة الحكمة لكي نعتبر كلّ رجل وكلّ امرأة هيكلًا لروحك القدّوس، ولنحترمهم ونحترم كرامتهم المقدّسة. بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الثانية

يسوع يحمل الصليب

* (كتب هذا التأمّل والدان قُتِلَت ابنتهما).

"ساقَه الجُنودُ إِلى داخِلِ الدَّار، دارِ الحاكِم، ودَعَوا الكَتيبَةَ كُلَّها، وأَلبَسوهُ أُرجُواناً، وكَلَّلُوه بِإِكليلٍ ضَفَروه مِنَ الشَّوْك، وأَخذوا يُحَيُّونَه فيَقولون: «السَّلامُ علَيكَ يا مَلِكَ اليَهود!» ويَضرِبونَه بِقَصَبَةٍ على رَأسِه ويَبصُقونَ علَيه، ويَجْثونَ له ساجدين. وبَعدَ ما سَخِروا مِنهُ نَزَعوا عنه الأُرجُوان، وأَلبَسوه ثيابَه وخَرَجوا به لِيَصلِبوه" (مر 15، 16- 20).

خلال ذاك الصيف الرهيب، انتهت حياتنا كأبوين مع حياة ابنتينا. إحداهما قُتِلَت مع صديقة حميمة لها بسبب عنف رجلٍ بدون رحمة؛ والأخرى التي نجت بمعجزة، حُرِمَت من ابتسامتها إلى الأبد. حياتنا كانت حياة تضحية، تقوم على العمل والأسرة. لقد علّمْنا ابنتينا احترامَ الآخرين وقيمة خدمة الفقراء. كثيرًا ما نسأل أنفسنا: "لماذا أصابنا هذا الشرّ نحن بالذات؟". لا نحظى بالسلام. ولا حتى العدالة، التي آمنّا بها على الدوام، كانت قادرة على تخفيف جراحنا العميقة: حُكِمَ علينا بالمعاناة حتى النهاية.

لم يخفّف الوقت من ثقل الصليب الذي وضعوه على أكتافنا: لا يمكننا أن ننسى مَن لم يعد موجودًا اليوم. كبرنا في السنّ، وضُعفُنا يزداد باستمرار. وقَعنا ضحايا أسوأ ألمٍ يعرفه الوجود: الاستمرار بالعيش بعد وفاة ابنتنا.

من الصعب أن نفهم، ولكن في اللحظة التي يبدو فيها أن اليأس يسيطر، يأتي الربّ لملاقاتنا، بأساليب مختلفة، ويمنحنا كزوجين النعمة ليحب أحدنا الآخر، فيدعم أحدنا الآخر وإن بصعوبة. إنه يدعونا إلى إبقاء باب منزلنا مفتوحًا أمام الضعفاء واليائسين، وإلى استقبال الذين يطرقون بابنا حتى من أجل طبق حساء وحسب. لقد جعلنا وصيّة المحبّة وصيّتنا، فوجدنا فيها طريق الخلاص: لا نريد الاستسلام للشرّ. في الواقع، محبّة الله قادرة على تجديد الحياة لأن ابنه يسوع قد اختبر الألم البشريّ قبلنا، ليصبح قادرًا أن يشفق علينا بالشفقة اللازمة.

أيها الربّ يسوع، يؤلمنا كثيرًا أن نراك وهم يضربونك، ويسخرون منك، ويجرّدونك من ثيابك، وأنت ضحيّة بريئة لوحشيّةلا إنسانية. في ليلة الألم هذه، نتوجّه بتوسّلنا إلى أبيك السماوي كي نعهد إليه بكلّ الذين يعانون من العنف والظلم.

صلاة

اللهمّ، يا من أنت برّنا وخلاصنا، الذي أعطيتنا ابنك الوحيد ومجّدته على عرش الصليب، أفض في قلوبنا الرجاء كي نراك حاضرًا في لحظات حياتنا المظلمة. عزّنا في الضيق واعضدنا في المحن، فيما ننتظر مجيء ملكوتك.بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الثالثة

يسوع يقع للمرّة الأولى

*(كتب هذا التأمّل أحد السجناء)

"لقَد حَمَلَ هو آلاَمَنا وآحتَمَلَ أَوجاعَنا فحَسِبْناه مُصاباً مَضْروباً مِنَ اللهِ ومُذَلَّلاً. طُعِنَ بِسَبَبِ مَعاصينا وسُحِقَ بِسَبَبِ آثامِنا نَزَلَ بِه العِقابُ مِن أَجلِ سَلامِنا وبجُرحِه شُفينا. كُلُّنا ضَلَلْنا كالغَنَم كُلُّ واحِدٍ مالَ إِلى طَريقِه فأَلقى الرَّبُّ علَيه إِثمَ كُلِّنا" (أش 53، 4- 6).

كانت المرّة الأولى التي سقطتُ فيها، لكن تلك السقطة كانت موتًا بالنسبة لي: لقد قتلت إنسانًا. كان كافيًا يوم واحد كي أنتقل من حياة لا عيب فيها إلى القيام بعمل يتضمّن انتهاك جميع الوصايا. أشعر بأنني النسخة الحديثة من اللصّ الذي يتوسّل إلى المسيح: "اذكرني!". أتخيّله كشخص يدرك أنه على الطريق الخطأ أكثر منه كشخص تائب. ما أتذكّره من طفولتي هي البيئة الباردة والعدائية التي نشأت فيها: كان يكفي أن أكتشفضعفًا في الآخر حتى أحوّلها إلى نوعٍ من السخرية. كنت أبحث عن أصدقاء أوفياء، وكنت أريد أن يقبلوني كما أنا، ولكن دون جدوى. كنت أتألّم من سعادة الآخرين، وأشعر بسوء البخت، ولا يُطلب منّي سوى القيام بتضحيات واحترام القوانين: كنت أشعر بأني غريب على الجميع فسعيت، بأيّ ثمن، إلى الانتقام.

لم ألاحظ أن الشرّ كان ينمو بداخلي شيئّا فشيئًا. إلى أن، في مساء، أتت ساعة الظلام في نفسي: في لحظة، ومثل انهيار جليدي، تهيّجَت فيّ ذكريات كلّ المظالم التي عانيت منها في حياتي. فقتل الغضبُ اللطفَ، وارتكَبتُ شرًا أكبر بكثير من كلّ الشرور التي ارتكِبتْ في حقي. وبعد ذلك، في السجن، أصبح تجريحُ الآخرين ازدراءً لنفسي: كنتُ على هاوية الانتحار، ولمست الحضيض. لقد دفعتُ بعائلتي أيضًا إلى الهاوية: بسببي، فقدوا اسمهم، وسمعتهم الطيّبة، وأصبحوا عائلة القاتل وحسب. أنا لا أبحث عن أعذار أوتخفيف لجسامة ما فعلت، سوف أقضي عقوبتي حتى آخر يوم لأنّي وجدت في السجن أشخاصًا أعادوا إليّ الثقة التي فقدتها.

إن اعتقادي أن العالم بلا صلاح، مَثَّل أول سقطة لي. والسقطة الثانية، جريمة القتل، والتي كانت، إلى حدّ كبير، نتيجة السقطة الأولّى: كنت قد متّ في داخلي.

أيها الربّ يسوع، أنت أيضًا سقطت أرضًا.السقطة الأولّى هي ربّما الأصعب لأن كلّ شيء جديد: الضربة قوية وتتسبب بالشعور بالضياع. إننا نعهد إلى آبيك بجميع الذين ينقفلون في تفكيرهم ولا يتوصّلون إلى الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها.

صلاة

اللهمّ، أنتالذي أنهضت الإنسان منسقطته، نتوسل إليك: ساعد ضعفنا وامنحنا عيونًا تتأمّل في علامات حبّك المنتشرة في حياتنا اليومية.بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الرابعة

يسوع يلتقي أمَّه

* (كتبت هذا التأمّل والدة أحد السجناء)

"هُناكَ عِندَ صَليبِ يسوع، وقَفَت أُمُّه، وأُختُ أُمِّه مَريَمُ امرأَةُ قَلُوبا، ومَريَمُ المِجدَلِيَّة. فرأَى يسوعُ أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: “أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ“. ثمَّ قالَ لِلتِّلميذ: “هذه أُمُّكَ“. ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه" (يو 19، 25- 27).

لم أشعر قط في أية لحظة بتجربة التخلّي عن ابني، لأنه حُكِم عليه. تغيّرت حياتنا كلّها يوم اعتقاله: دخَلَت العائلة كلّها إلى السجن معه. وحُكمُ الناس علينا حتى اليوم لا يتوقف، إنه سيف حادّ: أصابع الاتّهام الموجّهة إلينا جميعًا تثقل المعاناة التي نحملها في قلوبنا.

الجراحات تزداد مع مرور الأيام، وتنتزع منّا حتى أنفاسنا.

أشعر بقرب السيّدة العذراء: إنها تساعدني على ألّا يسحقني اليأس، وعلى تحمّل شرّ الآخرين. لقدأوكلت إليها ابني: لمريم وحدها بإمكاني أن أعرب عن مخاوفي، لأنها مرّت بها، وهي تسير على درب الجلجلة. كانت تعلم في قلبها أن ابنها لن يفلت من شرّ الإنسان، لكنها لم تتخلّى عنه. كانت هناك، تشاركه الألم، وترافقه بحضورها. أتصوّر أن يسوع، حين رفع نظره، التقى بعينيها المليئة بالحبّ وشعر بأنه ليس وحيدًا البتة.

هكذا أريد أن أفعل أنا أيضًا.

حملت خطايا ابني، وطلبت الصفح عن مسؤولياتيأنا أيضًا فيها. أسأل الرحمة التي لا يستطيع أن يشعر بها سوى الأمّ، حتى يتمكّن ابني من العيش مجدّدًا بعد أن يقضي عقوبته. أصلّي من أجله باستمرار حتى يتمكّن، يومًا بعد يوم، من أن يصبح رجلًا مختلفًا، قادرًا على أن يحبّ نفسه والآخرين من جديد.

أيها الربّ يسوع، ربما كان لقاؤك مع أمّك، على درب الصليب، هو الأكثر تأثيرًا ووجعًا. بين نظرتها ونظرتك، نضع نظرة جميع الأهل والأصدقاء الذين يشعرون بالتمزّق والعجز إزاء مصير أحبّائهم.

صلاة

يا مريم، يا أمّ الله وأمّ الكنيسة، يا تلميذة ابنك الأمينة، نلتجئ إليك، ونعهد إلى نظرك المحبّ وإلى حماية قلبك الوالدي، صرخة البشرية التي تئنّ وتتألم بانتظار اليوم الذي ستُمسَح فيه كلّ دمعة من وجوهنا.بالمسيح ربنا. آمين.


المرحلة الخامسة

سمعان القيرواني يساعد يسوع

* (كتب هذا التأمّل أحد السجناء)

"بَينما هم ذاهِبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِياً مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع" (لو 23، 26).

لقد ساعدتُ من خلال عملي، أجيالًا من الأطفال على المشي بقامة مستقيمة. ثموجدت نفسي يومًا على الأرض. كان الأمر كما لو أنهم كسروا ظهري: صار عملي سببا في خذي وتجريمي. لقد دخلتُ إلى السجن: ودخل السجن إلى منزلي. منذ ذلك الحين أصبحت ضالًا بالنسبة للمدينة: أضعتُ اسمي، وأخذوا ينادونني بالجريمة التي تتّهمني بها العدالة، لم أعد سيّد حياتي. عندما أفكّر في الأمر، يتبادر إلى ذهني ذلك الطفلبحذائه البالي وقدميه المبتلتين، وثيابه الرثة: كنت أنا ذاك الطفل ذات مرّة. ثم، ذات يوم، كان الاعتقال: ثلاثة رجال يرتدون الزيّ العسكري، وإجراءات صارمة، وسجن يبتلعني حيًا في الإسمنت.

الصليب الذي حمّلوه على كتفي ثقيل. تعلّمت مع مرور الوقت، أن أعيش معه وأن أنظر إليه وأحدق فيه، وأن أدعوه باسمه: فنحن نسهر ليالي كاملة سويًّا. الجميعُ يعرف سمعان القِيروانيّ في السجون: إنه لقبُ المتطوّعين، الذين يصعدون هذه الجلجلة للمساعدة في حمل الصليب. إنهم أشخاص يرفضون "سلوك القطيع"، فيصغون إلى ضميرهم. سمعان القيريني هو أيضًا رفيقي في الزنزانة: التقيته في ليلتي الأولى في السجن. عاش هذا الرجل جالسا على "كنبةٍ" لسنوات، بدون أن يعطف عليه أحد، وبدون دخل مالي. كانت ثروته الوحيدة في السجن حزمة من الكعك. وقد أَصَرَّ، هو الذي يحبّ الحلوى، على أن أهديها إلى زوجتي في المرّة الأولى التي جاءت فيها لزيارتي: فأجهَشَتْ بالبكاء لهذه المبادرة غير المتوقّعة والمملوءة محبّة.

إني أشيخ في السجن: وأحلم أن أعود يومًا فأثق مجدّدًا بالإنسان.

أحلم بأن أصبح سمعان القيرواني كي أحمل الفرح إلى شخص ما.   

أيها الربّ يسوع، من لحظة ولادتك وحتى لقائك مع شخص غريب حمل الصليب عنك، أردتَ أن تكون بحاجة إلى مساعدتنا. نحن أيضًا، مثل القيرواني، نريد أن نقترب من إخوتنا وأخواتنا وأن نتعاون مع رحمة الآب للتخفيف من نير الشرّ الذي يهلكهم.

صلاة

اللهمّ، ياحمى الفقراء ومعزّيَ المنكوبين، جدّدنا بحضورك وساعدنا على أن نحمل كلّ يومنير وصية المحبّة اللطيف. بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة السادسة

القدّيسة فيرونيكا تمسح وجه يسوع

* (كتبت هذا التأمّل إحدى معلّمات التربية الدينية المسيحية في الرعية)

"فيكَ قالَ قلبي: «اِلتَمِسْ وَجهَه» وَجهَكَ يا رَبِّ أَلتَمِس.

لا تَحجب وَجهَكَ عنِّي ولا تَنبِذْ بِغَضَبٍ عَبدَكَ.

ناصِرًا كُنتَ لي فلا تَخْذُلْني ولا تَترُكْني يا إِلهَ خَلاصي" (مز 27، 8- 9).

 

بصفتي معلّمة التعليم المسيحي، أمسحكل يوم الكثير من الدموع، وأتركها تتدفّق: لا يمكن احتواء فيض القلوب المحطّمة. غالبًا ما أقابل رجالًا يائسين يبحثون، في ظلام السجن، عن سبب الشرّ الذي يبدو لهم وكأنه دون نهاية. هذه الدموع لها طعم الهزيمة والوِحدة، والندم وعدم الفهممن قبل الغير. أتخيّل مرارًا يسوع في السجن بدلًا منّي: لو كان هو محلي، كيف كان يمسح تلك الدموع؟ كيف كان يخفف من معاناة هؤلاء الرجال الذين لا يجدون طريقة للخروج ممّا أصبحوا عليه، بعد أن استسلموا للشرّ؟

إن العثور على إجابة هو أمر شاقّ، وغالبًا ما هو صعبُ الفهمِ لمنطقنا البشريّ الصغير والمحدود. الطريق التي اقترَحَها المسيحُ عليّ هي التأمّل في تلك الوجوه المشوّهة بسبب الألم، دون الشعور بالخوف. المطلوب منّي هو البقاء هناك، إلى جانبهم، واحترام صمتهم، والاستماع إلى ألمهم، ومحاولة تخطّي الأحكام المسبقة. مثلما ينظر المسيح إلى ضعفنا وحدودنا بعيون مليئة بالحبّ. فالفرصة تُمنَح للجميع كلّ يوم، وحتى للسجناء، كي يصبحوا أشخاصًا جددًا بفضل تلك النظرة التي لا تحكم بل تعطي الحياة والرجاء.

وبهذه الطريقة يمكن أن تصبح الدموع التي سقطت، براعم جمال كان من الصعب حتى تخيّلها.

أيها الربّ يسوع، لقد أشفقت عليك فيرونيكا: قابلت رجلًا معذّبًا واكتشفت فيه وجه الله. نعهد إلى أبيك في صلاتنا، بجميع رجال ونساء عصرنا الذين ما زالوا يمسحون دموع الكثيرين من إخوتنا.

صلاة

اللهمّ، يا أيها النور الحقيقي ومنبع النور، يا مَن يُظهِر في الضعف قدرةَ المحبّةوتطرفها، اطبع صورة وجهك في قلوبنا، حتى نتمكّن من التعرّف عليك في معاناة الإنسانية. بالمسيح ربّنا. آمين.

   

المرحلة السابعة

يسوع يقع للمرّة الثانية

* (كتب هذا التأمّل أحد السجناء)

"قالَ يسوع: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون “. ثُمَّ اقتَسموا ثِيابَه مُقتَرِعينَ علَيها" (لو 23، 34).

عندما كنت أمرّ أمام السجن، كنت ألتفت إلى الجانب الآخر، وكنت أقول لنفسي: "على كل حال لن تكون أبدًا نهايتي هنا". كلّ مرّة نظرت فيها إلى السجن، كنت أتنشّق الحزن والظلام: كان يبدو لي وكأني أمرّ قرب مقبرة للموتى الأحياء. وذات يوم، انتهى بي المطاف خلف القضبان، أنا وأخي. وكما لو أن ذلك لم يكن كافيًا، أدخلت أيضًا والدي ووالدتي. وتحوّل السجن من مكان غريب، وهو كذلك، إلى بيتنا: نحن الرجال في زنزانة، ووالدتنا في زنزانة أخرى. كنت أنظر إليهم، وأشعر بالخجل من نفسي: لم أعد أستطيع أن أسَمّي نفسي رجلًا. إنهم يشيخون في السجن بسببي.

لقد سقطتُ على الأرض مرّتين. أوّل مرّة عندما استهواني الشرّ، واستسلمت له: كان بيع المخدّرات، في نظري، يُجدي أكثر من عمل والدي الذي كان يكدح مدّة عشر ساعات في اليوم. والمرّة الثانية عندما بدأت أسأل نفسي، بعد أن دمّرت العائلة: "من أنا حتى يموت المسيح من أجلي؟". إني أقرأ صرخة يسوع -"أبتِ، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"- في أعين والدتي: فقد تحمَّلَت عار جميع رجال البيت كي تنقذ الأسرة؛ وأراها في وجهِ والدي الذي غلب عليه اليأس سرًّا في زنزانته. اليوم فقط أستطيع أن أعترف بذلك: لم أكن أعرف ما كنت أفعله في تلك السنوات. أمّا الآن، بعد أن أدركت، بعون الله، فإني أحاول إعادة بناء حياتي. أنا مدين بذلك لوالدَيَّ: قبل بعض سنوات طرحوا أغلى الأشياء لدينا للبيع بالمزاد، لأنهم لم يريدوا أن أحيا حياة الشوارع. وأنا مدين أوّلًا لذاتي: فكرة أن يستمرّ الشرّ في تسيير حياتي لا تُطاق. لقد أصبح هذا درب صليبي.

أيها الربّ يسوع، سقطت للمرّة الثانية: أثقل كاهلك تعلّقي بالشرّ، وخوفي من عدم القدرة على أن أكون شخصًا أفضل.نصرخ إلى أبيك بإيمان ونصلّي له من أجل كلّ الذين لم يعرفوا بعد كيف يفلتون من قوّة الشيطان، ومن فتنة أعماله وأشكال إغراءاته التي لا تحصى.  

صلاة

أيها الإله،يا مَن لا يتركنا في الظلمات وفي ظلال الموت، أعضدنا فيضعفنا، وحرّرنا من سلاسل الشرّ واحمنا بدرع قوّتك، فنتغنّى برحمتك إلى الأبد.بالمسيح ربنا. آمين.

 

 

المرحلة الثامنة

يسوع يلتقي نساء أورشليم

* (كتبت هذا التأمّل ابنة أحد المحكوم عليهم بالسجن المؤبّد)

"تَبِعَه جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضربنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه. فالتَفَتَ يَسوعُ إِليهِنَّ فقال: “يا بَناتِ أُورَشَليمَ، لا تَبكِينَ عَليَّ، بلِ ابكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ. فها هي ذي أَيَّامٌ تَأتي يقولُ النَّاسُ فيها: طوبى للعواقرِ والبُطونِ الَّتي لم تَلِدْ والثُّدِيِّ الَّتي لم تُرضِعْ. وعِندَئِذٍ يأخُذُ النَّاسُ يَقولونَ لِلجِبال: أُسقُطي علَينا ولِلتِّلالِ: غَطِّينا فإِذا كانَ يُفعَلُ ذلك بِالشَّجَرةِ الخَضْراء، فأَيّاً يَكونُ مَصيرُ الشَّجَرَةِ اليابِسة؟“" (لو 23، 27- 31).

كم مرّة سمعت فيها، بصفتي ابنة مسجون، هذا السؤال: "أنت تحبّين أبيك: هل فكّرت يومًا في الألم الذي سبّبه والدك لضحاياه؟". لم أهرب أبدًا من الإجابة، خلال كلّ هذه السنوات، فكنت أقول: "بالطبع، من المستحيل ألّا أفكّر في الأمر"، ثم كنت أطرح عليهم أيضًا سؤالًا آخر: "هل فكّرتم يومًا أنني كنت أوّل ضحايا جميع أعمال والدي؟ فأنا أقضي منذ ثمانية وعشرين عامًا عقوبةَ الحياة بدون أب". لقد عشت كلّ هذه السنوات بغضب، وقلق، وحزن: ويصعب عليّ أكثر فأكثر تحمّل غيابه. لقد تجولت في إيطاليا من الجنوب إلى الشمال كي أبقى بقربه: أعرف المدن، ليس بسبب أماكنها الأثريّة بل بسبب السجون التي زرتها. أشعر أني أشبه تيليماكوس عندما ذهب للبحث عن والده يوليسيس: جولتي هي جولة بين السجون الإيطالية والإحساسات المحرومة.  

فقدت قبل سنوات علاقة حبّ لأني ابنة رجل مسجون، وأصيبت والدتي بحالة اكتئاب، وانهارت الأسرة. وتحمّلت وحدي، براتبي الصغير، حِمل هذه القصّة التي مزقتنا تمزيقًا. أجبرتني الحياة على أن أصبح امرأة من دون أن أعرف طعم الطفولة. بيتنا هو حلقات من درب صليب: أبي هو أحد المحكوم عليهم بالسجن المؤبّد. في يوم عرسي، حلمت أن يكون بجانبي: في تلك اللحظات كان هو أيضًا كان يفكّر فيّ من على بعد مئات الكيلومترات. أقول وأكرّر لذاتي "إنها الحياة!"، كي أشجع نفسي. هذا صحيح: هناك آباء يتعلّمون الانتظار، بدافع الحبّ، حتى ينضج أبناؤهم. أمّا بالنسبة لي، فبدافع الحبّ، أنتظرأن يعود أبي.  

إن الرجاء لأمثالنا أمرٌ واجب.

أيها الربّ يسوع، نشعر بأن كلامك لنساء أورشليم هو بمثابة تحذير لكلّ واحدة منّا. إنه يدعونا إلى التوبة، وإلى الانتقال من دين عاطفي إلى إيمان متجذّر في كلمتك. نصلّي من أجل الذين يضطّرون إلى تحمّل ثقل العار، وألم الهجر، وغياب شخص عزيز. ونصلّي لكلّ واحد منّا، حتى لا نسمح بأن يحمل الأبناء خطايا آبائهم.

صلاة

اللهمّ، يا أبا كلّ صلاح،أنت الذي لا تتخلّى عن أبنائك في محن الحياة، أعطنا نعمة أن نستريح في حبّك وأن ننعم دائمًا بعزاء حضورك.بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة التاسعة

يسوع يقع للمرّة الثالثة

* (كتب هذا التأمّل أحد السجناء)

"خَيرٌ لِلرَّجُلِ أَن يَحمِلَ النِّيرَ في صِباه. لِيَجلِسْ وَحدَه ويَسكُتْ حين يَفرِضُه الرَّبُّ علَيه. لِيَجعَلْ في التُرابِ فَمَه عَسى أَن يَكونَ لَه أَمَل. لِيَعرِضْ خَدَّه لِمَن يَلطِمُه ولْيشبعْ إِهانَةً. لِأَنَّه لا يَنبذُ السَّيِّدُ لِلأَبَد. فإِنَّه ولَو آلَمَني يَرحَم بِحَسَبِ كَثرَةِ رأفَتِه" (مر 3، 27- 32).

السقوط أرضًا ليس أمرًا هيِّنَا على الاطلاق: فالسقوط مرارًا وتكرارًا، بالإضافة إلى كونه ليس يسيرًا، يصبح أيضًا نوعًا من الإدانة، كما لو لم يعد المرء قادرًا على الوقوف. كرجل، سقطت مرّات عديدة: وفي كلّ مرّة نهضت. غالبًا ما أفكّر وأنا في السجن بعدد المرّات التي يسقط فيها الطفل قبل أن يتعلّم المشي: وأقنع نفسي الآن بأن تلك السقطات هي نوع من التدريب لسقوطنا يوم نكبر. عندما كنت طفلًا، عشت السجن داخل المنزل: كنت أعيش بخوف من العقاب، وأتنقّل بين حزن الكبار ولامبالاة الأطفال. أتذكّر من تلك السنوات الأخت غابرييلا، الوحيدة التي تذكّرني بأمرٍ مفرح: كانت هي الوحيدة التي رأت أفضلَ ما فيّ وأنا في أحلك شروري. على غرار بطرس، بحثت ووجدت ألف عذر لأخطائي: والأغرب هو أن قليلًا من الخير، ظلّ دائمًا حيًّا في داخلي.  

صرتُ جدًّا وأنا في السجن: لم أكن حاضرًا أثناء فترة حمل ابنتي. سوف أخبر حفيدتي يومًا ما، لا بالشرّ الذي ارتكبته إنما فقط بالخير الذي تلقّيته. سأخبرها عن الذين، عندما سقطت، حملوا إليّ رحمة الله. اليأس الحقيقي في السجن، هو أن تشعر بأن ما من شيء في حياتك له معنى: إنها ذروة المعاناة، تشعر بالوحدة أكثر من أيّ وحيد في العالم. صحيح أنني تمزّقت وأصبحت أشلاء، ولكن الشيء العظيم هو أنه ما زال من الممكن إعادة جمع هذه الأشلاء. الأمر ليس سهلًا: ولكنه الأمر الوحيد الذي لا يزال له معنى داخل السجن.

أيها الربّ يسوع، سقطت للمرّة الثالثة، وعندما اعتقد الجميع أنها النهاية، نهضت مرّة أخرى. إننا نضع أنفسنا بثقة بين يدي أبيك ونوكل إليه الذين يشعرون بأنهم مأسورون داخل هوّة أخطائهم، حتى يتحلّوا بالقوّة فينهضوا، وبالشجاعة فيقبلوا المساعدة.

صلاة

اللهمّ، ياحصن الذين يرجونك، يا من تمنح الذي يتبع تعاليمك أن يعيش بسلام،ثبت خطواتنا المتردّدة، وانهضنا من سقطات عدم أمانتنا، واسكب زيت العزاء وخمر الرجاء على جراحنا.بالمسيح ربنا. آمين.


المرحلة العاشرة

يسوع يُجرَّد من ثيابه

* (كتبت هذا التأمّل مربّية تابعة للسجن)

"أَمَّا الجُنود فبَعدَما صَلَبوا يسوع أَخذوا ثِيابَه وجَعلوها أَربَعَ حِصَص، لِكُلِّ جُندِيٍّ حِصَّة. وأَخَذوا القَميصَ أَيضاً وكانَ غيرَ مَخيط، مَنسوجاً كُلُّه مِن أَعلاهُ إِلى أَسفَلِه. فقالَ بَعضُهم لِبَعض: “لا نَشُقَّه، بل نَقتَرعُ علَيه، فنَرى لِمَن يَكون“. فتَمَّتِ الآية: “اِقتَسَموا ثِيابي وعلى لِباسي اقتَرعوا“" (يو 19، 23- 24).

بصفتي مربية عاملة في السجن أرى الرجال يدخلون إلى السجن محرومين من كلّ شيء: يُجرّدون من كل كرامة بسبب الأخطاء التي ارتكبوها، ومن كل احترام فيأعين أنفسهم والآخرين. ألاحظ أن استقلاليتهم تتناقص خلف القضبان يوم يومًا بعد: فهم بحاجة إليّ حتى لكتابة رسالة. هذه هي المخلوقات "المُعَلّقة" الموكلة إليّ: رجال عُزَّل، مستاؤون من هشاشتهم، غالبًا ما يُحرمون من الضروري كي يفهموا فداحة الشرّ الذي ارتكبوه. ومع ذلك، فهم يشبهون أحيانًا المولود الجديد الذي ما زالت صياغته وتربيته من جديد ممكنة. أشعر أن حياتهم تستطيع أن تبدأ من جديد في اتّجاه آخر، وتبتعد نهائيًّا عن الشرّ.

لكن قوّتي تتلاشى تدريجيًّا. فاحتواء الغضب، والألم والشرّ الكامن في القلوب يقود إلى إرهاقِ حتى أكثر الرجال والنساء كفاءة. لقد اخترت هذه الوظيفة بعد أن قُتِلَت والدتي في حادث اصطدام سيارة، على يد شابّ كان تحت تأثير المخدرات: فقرّرت فورًا الردّ على هذا الشرّ بالخير. وعلى الرغم من أني أحبّ هذه الوظيفة، يصعب عليّ أحيانًا أن أجد القوّة للمضيّ فيها قدمًا.

إننا بحاجة في هذه الخدمة الدقيقة للغاية، كي لا نشعر بأننا متروكون، كي نستطيع مساندة الكثيرين من الأشخاص الموكلين إلينا والمهددين بالغرق في كل يوم.

أيها الربّ يسوع،حين ننظر إليك وأنت مجرد من ثيابك نشعر بالحرج والخجل. فقد بدأنا، في الواقع، منذ الإنسان الأوّل، بالفرار من الحقيقة العارية. إننا نختبئ وراء أقنعة الاحتشام وننسج ملابس الأكاذيب، نصنعها غالبًا مِن قطع ثياب الفقراء البالية، التي يستخدمهاجشعناِ في طلب المال والسلطة. ليرحمنا أبوك ويساعدناويصبر علينا حتى نصير أكثر بساطة وشفافية وحقيقة: فنستطيع التخلّي نهائيًّا عن أسلحة النفاق.

صلاة

اللهمّ، يا مَن تحرّرنا بحقيقتك، جرّدنا من الإنسان العتيق الذي يقاوم الصلاح فينا وألبسنا نورك كي نكون في العالم انعكاسًا لمجدك العظيم.بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الحادية عشر

يسوع يُسَمَّر على الصليب

* (كتب هذا التأمّل كاهن كان قد اتُّهِم ثم أُثبِتَت براءَته)

"ولمَّا وَصَلوا إِلى المَكانِ المَعروفِ بالجُمجُمة، صَلَبوهُ فيهِ والمُجرِمَيْن، أَحَدُهما عنِ اليَمينِ والآخَرُ عَنِ الشِّمال. فقالَ يسوع: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون“. ثُمَّ اقتَسموا ثِيابَه مُقتَرِعينَ علَيها. ووقَفَ الشَّعْبُ هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساءُ يَهزَأُونَ فيقولون: “خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!“. وسَخِرَ مِنه الجُنودُ أَيضاً، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلاًّ وقالوا: ”إِن كُنتَ مَلِكَ اليَهود فخَلِّصْ نَفْسَكَ!“ وكانَ أَيضاً فَوقَه كِتابَةٌ خُطَّ فيها: ”هذا مَلِكُ اليَهود“. وأَخَذَ أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: ”أَلستَ المَسيح؟ فخَلِّصْ نَفْسَكَ وخَلِّصْنا!“. فانتَهَرَه الآخَرُ قال: ”أَوَما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقابَ نَفْسَه! أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا“. ثُمَّ قال: ”أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ“. فقالَ له: ”الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس“" (لو 23، 33- 43).

المسيح مسمّر على الصليب. كم مرّة تأمّلت ككاهن في هذه الصفحة من الإنجيل. ثم عندما سمّروني في أحد الأيام على الصليب، شعرت بكلّ ثقل هذا الخشب: كان الاتّهام بكلمات قاسية مثل المسامير، وكان الصعودُ حادًّا وشاقًّا، وانغرست المعاناة في جسمي. أحلك اللحظات كانت عندما رأيت اسمي معلّقًا خارج قاعة المحكمة: أدركت في تلك اللحظة أنني رجل عليه إثبات براءته، دون أن يكون مذنبًا. بقيت مُعلّقًا على الصليب مدّة عشر سنوات: كان هذا درب صليبي المأهول بالملفات والشكوك والاتّهامات والإهانات. وكنت أبحث في كلّ مرّة، في المحاكم، عن الصليب المعلّق على الحائط: كنت أحدق فيه فيما كان القانون يحقّق في قضيتي.

دفعني العار للحظة إلى الاعتقاد أنه من الأفضل أن أضع حدًا لحياتي. ولكن بعد ذلك قرّرت أن أبقى الكاهن الذي كنت عليه دائمًا. لم أفكّر قطّ في اقتضاب الصليب، حتى عندما سمح لي القانون بذلك. اخترت الخضوع للمحاكمات العاديّة: أنا مدين لنفسي بذلك، وللأولاد الذين ربّيتهم خلال سنوات الدراسة في الإكليريكية، ولعائلاتهم. بينما كنت أتقدّم نحو الجلجلة، التقيتهم جميعًا على طول الطريق: أصبحوا لي مثل سمعان القيرواني، وتحمّلوا معي ثقل الصليب، ومسحوا دموعيالغزيرة. وصلّى الكثيرون منهم معي من أجل الفتى الذي اتّهمني: ولن نتوقّف عن الصلاة من أجله. وفي اليوم الذي حصلت فيه على البراءة الكاملة، اكتشفتُ أنني أسعد ممّا كنت عليه قبل عشر سنوات: لقد لمست بيدي عمل الله في حياتي. لقد استنار كهنوتي حين عُلِّقتُ على الصليب.

أيها الربّ يسوع، لقد أحببتنا حتى النهاية، وقادك حبك لنا إلى الصليب. أنت تموت، ولا تكل أبدًا من منحنا المغفرة والحياة. إننا نعهد إلى أبيك بأبرياء التاريخ الذين عانوا من إدانة ظالمة. عسى أن يتردّد صدى كلمتك في قلوبهم: "اليوم ستكون معي في الفردوس".

صلاة

اللهمّ، يا مصدر الرحمة والغفران، يا مَن تتجلّى في معاناة الإنسانية، أنرنا بالنعمة التي تنبع من جراحات المصلوب، وأعطنا أن نثبت بالإيمان في ليل المحنة المظلم. بالمسيح ربّنا. آمين.

 

 

المرحلة الثانية عشر

يسوع يموت على الصليب

* (كتب هذا التأمّل مأمور تابع لخدمة مراقبة السجون)

"كانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الظُّهر، فخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى الثَّالِثَة، لِأَنَّ الشَّمسَ قدِ احتَجَبَت. وانشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ مِنَ الوَسَط. فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: “يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!“ قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح" (لو 23، 44- 46).

بصفتي مأمور مراقبة، لا يمكنني أن أعامل رجلًا، أيّ رجل، بحسب إدانته: فهذا يعني إدانته مرّة أخرى. من الضروري أن يكفّر كل إنسان عن الشرّ الذي ارتكبه: عدم القيام بذلك يعني الاستهانة بجرائمه، وتبرير الأعمال غير المقبولة التي قام بها والتي تسبّبت في معاناة الآخرين جسديًا ومعنويًا.

بيد أن العدل الحقيقي لا يتحقّق إلّا من خلال الرحمة التي لا تسمّر الإنسان على الصليب إلى الأبد: الرحمة ترشدنا لمساعدته على النهوض، وتعليمه أن يستفيد من الخير الذي، على الرغم من الشرّ الذي ارتكبه، لا ينطفئ أبدًا بالتمام في قلبه. فما لم يستعِد الشخص المدان إنسانيته، لن يتمكن من رؤية الإنسانية في الآخَر، في الضحيّة التي سبّب لها الألم. ومهما كانت مسيرة ولادته الجديدة متعسرة، ومهما هدّده خطر الوقوع مرّة أخرى في الشرّ، فليس هناك من طرق أخرى لمحاولة إعادة بناء تاريخ شخصيّ وجماعيّ.

إن صرامة الإدانة تمثل امتحانا قاسا لرجاء الإنسان: فإمّا أن تساعده على التفكير والتساؤل حول أسباب أفعاله فتصبح فرصة حتى ينظر إلى نفسه من منظور آخر. ولكن، لتحقيق هذه الغاية، من الضروري أن نتعلّم كيف نرى الشخص المخفيّ وراء الذنب المرتكب. قد ننجح أحيانًا في رؤية أفق بإمكانها إحياء الرجاء في المُدانين،وإعادتهم إلى المجتمع عند انتهاء العقوبة، فيرحب بهم الناس مجدّدًا بعد أن كانوا قد رفضوهم من قبل.  

لأننا كلّنا، وحتى المدانون، أبناءُ الإنسانيّة نفسها.

أيّها الربّ يسوع، أنت تموت نتيجة حكم فاسد، أصدره قضاة ظالمون ومذعورون من قوّة الحقيقة الساطعة. نعهد إلى أبيك بالحكّام والقضاة والمحامين، أعطهم أن يحافظوا على استقامتهم في ممارسة خدمتهم لصالح الدولة ومواطنيها، وخاصّة الذين يعانون من الفقر.

صلاة

اللهمّ، يا ملك العدل والسلام، يا مَن سمعت في صرخة ابنك صرخةَ البشريّة جمعاء، علّمنا ألّا نماهي الشخص بالشرّ الذي ارتكبه، وساعدنا على رؤية شعلة روحك الحيّة في كلّ إنسان. بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الثالثة عشر

يسوع يُنزل عن الصليب

* (كتب هذا التأمّل راهب متطوّع)

"وجاءَ رَجُلٌ اسمُه يوسُف، وهو عُضْوٌ في المَجلِس، وامرُؤٌ صالِحٌ بارٌّ لم يُوافِقْهم على قَصْدِهِم ولا عَمَلِهم، وكانَ مِنَ الرَّامَة وهي مدينةٌ لِليَهود، وكانَ يَنتَظِرُ مَلَكوتَ الله، فذَهَبَ إِلى بيلاطُس وطلَبَ جُثْمانَ يسوع. ثُمَّ أَنزَلَه عنِ الصَّليبِ وَلَفَّه في كَتَّان، ووَضَعَه في قَبرٍ حُفِرَ في الصَّخرِ لم يَكُنْ قد وُضِعَ فيهِ أَحد" (لو 23، 50- 53).

لقد كان المعتقلون بالنسبة لي، منذ البدء، بمثابة معلّمين. أزور السجون منذ ستين عامًا، كراهب متطوع، ولطالما باركت اليوم الذي التقيت فيه لأوّل مرّة بهذا العالم المخفي. فهمت في تلك النظرات، بوضوح، أنه كان بإمكاني أن أكون مكانهم، لو اتّخذت حياتي اتّجاهًا مختلفًا. غالبًا ما نجامِل أنفسنا نحنالمسيحيّين ونستسلم للشعور بأننا أفضل من الآخرين، كما لو كان وضعنا، الذي يتيح لنا رعاية الفقراء، يسمح لنا بأن نشعر بالتفوّق فننصب أنفسنا قضاة على الآخرين، وندينهم كما نريد، ودون استئناف.

لقد اختار المسيح، في حياته، وأراد أن يكون مع الأخيرين: جال ضواحي العالم المنسيّة وسط اللصوص والبرص والزانيات والمخادعين. أراد أن يشارك في البؤس والوحدة والاضطراب. ولطالما اعتقدت أن هذا هو المعنى الحقيقي لكلماته: "كنت سَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ" (متى 25، 36).

عندما أنتَقِلُ من زنزانة إلى أخرى أرى الموتَ الذي يعيش في داخلها. ما زال السجن "يدفن" رجالًا أحياء: قصص لم يعد أحد يريدها. في كلّ مرّة يكرّر المسيح لي: "استمرّ، لا تتوقّف. عانقهم مجدّدًا". ولا يسعني إلّا أن أستمع إليه: فهو موجود دائمًا، حتى داخل أسوأ الرجال، ومهما كانت سيرته موحلة. عليّ فقط أن أُسكِتَ حماسي، وأتوقّف بصمت أمام تلك الوجوه التي دمّرها الشرّ وأستمع إليها برحمة. إنها الطريقة الوحيدة التي أعرفها كي أرحّب بالشخص، مزيلًا من أمامي الخطأ الذي ارتكبه. بهذه الطريقة فقط، سوف يقدر أن يثق بي ويستعيد القوّة للاستسلام للخير، فيتصوّر ذاته مختلفًا عن رؤيته لذاته الآن.

أيها الربّ يسوع، جسدك المشوّه بسبب الكثير من الشرّ، قد لفّ الآن في كفن ووضع على الأرض العارية: هذا هو الخلق الجديد. إننا نعهد إلى أبيك بالكنيسة التي تولد من جنبك المطعون، حتى لا تستسلم أبدًا إزاء الفشل والمظهر، بل تستمرّ في الخروج لإعلان بشارة الخلاص للجميع.

صلاة  

اللهمّ، يا بداية كلّ شيء ونهايته، يا مَن افتدى البشرية جمعاء في فصح المسيح، أعطنا حكمة الصليب كي نستطيع الاستسلام لإرادتك، فنقبلها بسرور وامتنان. بالمسيح ربّنا. آمين.


المرحلة الرابعة عشر

يسوع يوضع في القبر

* (كتب هذا التأمّل ضابط تابع لشرطة السجن)

"كانَ اليَومُ يَومَ التَّهْيِئَة وقد بَدَت أَضواءُ السَّبْت. وكانَ النِّسوَةُ الَّلواتي جِئنَ مِنَ الجَليلِ مَعَ يسوع يَتبَعنَ يوسُف، فأَبصَرنَ القَبْرَ وكَيفَ وُضِعَ فيهِ جُثمانُه. ثُمَّ رَجَعنَ وأَعدَدنَ طِيباً وحَنوطاً، واستَرَحنَ راحةَ السَّبْتِ على ما تَقْضي بِه الوَصِيَّة" (لو 23، 54- 56).

في مهمّتي كضابط في شرطة السجن، ألمس كلّ يوم لمس اليد معاناة الذين يعيشون في السجن. ليس من السهل مواجهة الذين تغلّب عليهم الشرّ فألحقوا ضررًا هائلًا بالآخرين، وتعقّدت حياتهم. تخلق اللامبالاة، حتى في السجن، المزيد من الضرر في حياة الذين فشلوا ويدفعون الثمنَ الآن للعدالة. لقد علّمني الكثيرَ زميلٌ لي كان يكرّر مرارًا: "السجن يحوّلك: رجلٌ صالح قد يصبح شخصًا ساديًّا يستمتع بتعذيب الآخرين. ورجلٌ شرّير قد يصبح أفضل". فالنتيجة تعتمد عليّ أيضًا، وتمالك النفس هو أمر ضروري كي نحقّق هدف عملنا: أي إعطاء فرصة أخرى للذين اختاروا الشرّ. لتحقيق هذا الغرض، لا يمكنني أن أكتفي بفتح وإغلاق الزنزانة دون أن أحاول أن أضيف إلى ذلك لمسة من الإنسانية.

باحترام أوقات الجميع، يمكن أن تعود وتزدهر العلاقات البشرية شيئًا فشيئًا، حتى في هذا العالم الثقيل. وتُتَرجَم هذه العلاقات بحركات، واهتمام وكلمات قادرة على إحداث الفرق، حتى لو قيلت بصوت منخفض. أنا لا أخجل من ممارسة خدمة الشمّاسية الدائمة وأنا أرتدي الزيّ الرسمي الذي أفتخر به. أعرف المعاناة واليأس: فقد شعرت بهما وأنا طفل. رغبتي الصغيرة هي أن أكون مرجعًا للذين ألتقي بهم بين القضبان. أنا أعملكل ما بوسعي لأحافظ على رجاء هؤلاء الأشخاص الذين استسلموا لحالتهم، خائفين من اليوم الذي يخرجون فيه وقد يُرفضون مجدّدًا من قِبَلِ المجتمع.

في السجن، أذكّرهم: مع الله، الكلمة الأخيرة ليست للخطيئة، مهما كانت.

أيها الربّ يسوع، لقد سُلِّمت من جديد إلى أيدي الإنسان، ولكن هذه المرّة، تسلّمتك أيدي يوسف الرامي المُحِبّة وبعض النساء الَّلواتي جِئنَ مِنَ الجَليلِ؛ أيدي الذين يعرفون أن جسدك ثمين. تمثّل هذه الأيدي أيدي كلّ الذين لا يتعبون أبدًا من خدمتك ويظهرون مدى قدرة الإنسان على الحبّ. وهذا الحبّ بالتحديد هو الذي يجعلنا نرجو إمكانيّة وجود عالم أفضل: يكفي أن يكون الإنسان مستعدًّا لقبول النعمة التي تأتي منك. نعهد إلى أبيك في صلاتنا بشكل خاص، بجميع ضباط شرطة السجون وجميع الذين يعاونون على مستويات مختلفة في السجون.

صلاة

اللهمّ، أنت النور الأبديّ واليوم الذي لا يعرف غروبًا، أغمر بخيراتك الذين يكرّسون أنفسهم لتسبيحك ولخدمة المتألمين، في العديد من الأماكنالتي لا تحصى والتي تشهد أوجاع الإنسانية.بالمسيح. آمين.

 

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2020