Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

APOSTOLIC JOURNEY OF HIS HOLINESS POPE FRANCIS
TO THAILAND AND JAPAN

(19-26 NOVEMBER 2019)

 

الزيارة الرسولية إلى اليابان

كلمة قداسة البابا فرنسيس

أثناء اللقاء مع ضحايا الكارثة الثلاثية

في بيليسالي هانزومون

توكيو، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019

[Multimedia]


 

أيّها الأصدقاء الأعزّاء،

إن هذا اللقاء معكم هو لحظة مهمّة من زيارتي لليابان. أشكركم على الاستقبال بالموسيقى الأرجنتينية. وأشكر بشكل خاصّ، توشيكو وتوكون وماتسوكي، الذين شاركوا قصّتهم معنا. إنهم يمثّلون، وأنتم كذلك، جميع الذين عانوا الكثير من الكارثة الثلاثية -الزلزال، وموجة التسونامي والحادث النووي- التي طالت ليس فقط محافظات إيواتي، مياجي وفوكوشيما، إنما اليابان بأسره وسكّانه. شكرًا لكم لأنكم عبّرتم بكلماتكم وحضوركم عن الحزن والأسى اللذين عانى منهما الكثير من الأشخاص، ولكن أيضًا الرجاء المفتوح لمستقبل أفضل. دعاني ماتسوكي، في ختام شهادته، لأتّحد بكم في الصلاة. لنقِف لحظة صمتٍ ولتكن أوّلُ كلمةٍ لنا، كلمةَ صلاة من أجل أكثر من ثمانية عشر ألف شخص توفّوا، ومن أجل أسرهم، ومن أجل الذين ما زالوا مفقودين. ولنتلو صلاة توحّدنا وتمنحنا الشجاعة لننظر إلى الأمام برجاء.

فلنشكر أيضًا على الجهود التي بذلتها الإدارات والمنظّمات المحلّية والأفراد العاملين على إعادة إعمار المناطق التي وقعت فيها الكوارث وعلى مساعدة أكثر من خمسين ألف شخص أخلوا، وهم حاليًّا في مساكن مؤقّتة، دون أن يتمكّنوا من العودة بعد إلى منازلهم.

أشكر بشكل خاصّ، كما أشار توشيكو، على تجمّع الكثير من الأشخاص، ليس فقط من اليابان ولكن من جميع أنحاء العالم، فورًا بعد الكوارث لمساعدة السكّان المتضرّرين عبر الصلاة والمساعدة المادّية والمالية. وهذا عملٌ لا يجب أن يضيع مع مرور الوقت أو يتوقّف بعد الصدمة الأولى، إنما يجب أن نمدّده وندعمه. فيما يتعلّق بما أشار إليه ماتسوكي، فإن البعض ممّن يعيشون في المناطق المتضرّرة يشعرون الآن بأنهم منسيّون، والكثير منهم يواجهون مشاكل مستمرّة: الأرض والغابات الملوّثة وتأثير الإشعاعات على المدى الطويل.

عسى أن يسمح لنا هذا اللقاء بأن نوجّه معًا نداءً إلى الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة حتى تستمرّ ضحايا هذه المآسي في تلقّي المساعدة التي يحتاجونها بشدّة.

بدون الموارد الأساسيّة: الغذاء والملبس والمأوى، لا يمكن للمرء أن يعيش حياة كريمة وأن يتوفّر له الحدّ الأدنى الضروري من أجل إعادة البناء، التي بدورها تتطلّب تضامن المجتمع ودعمه. لا أحد "يعيد بناء" نفسه؛ لا أحد يستطيع أن يبدأ من جديد لوحده. من الضروري أن تمتدّ يد صديقة، يد شقيقة، قادرة على المساعدة ليس فقط في إعادة تشييد المدينة، إنما أيضًا في رفع النظر وتقوية الرجاء. أخبرتنا توشيكو أنها على الرغم من خسارتها منزلها في كارثة تسونامي، فإنها ممتنة لهبة الحياة وللرجاء التي تشعر به عند رؤية الأشخاص يتّحدون لمساعدة بعضهم البعض. لقد أظهرت اليابان، بعد ثماني سنوات من الكارثة الثلاثية، كيف يمكن لشعب أن يتّحد في التضامن والصبر والمثابرة والمقاومة. لا يزال الطريق إلى تعافٍ تامٍّ طويلًا، ولكنه ممكن على الدوام إن كان يستطيع الاعتماد على روح هؤلاء الأشخاص القادرين على التحرّك من أجل إعانة ومساعدة بعضهم البعض. كما قال توشيكو، إذا لم نفعل شيئًا، فستكون النتيجة صفرًا، ولكن إذا قمت بخطوة، فستتقدّم خطوة. لذلك، أدعوكم للمضيّ قدمًا كلّ يوم، شيئًا فشيئًا، لبناء المستقبل على أساس التضامن والالتزام المتبادل، لكم ولأبنائكم وأحفادكم، وللأجيال القادمة.

سأل توكون كيف يمكننا مواجهة المشاكل الهامّة الأخرى التي تخصّنا والتي، كما تعلمون، لا يمكن رؤيتها ومعالجتها بشكل منفصل: الحروب واللاجئون والغذاء والفوارق الاقتصاديّة والتحدّيات البيئية. من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن مشكلات اليوم يمكن معالجتها بمعزل عن غيرها دون اعتبارها جزءًا من شبكة أوسع. كما أوضحه بحقّ، إننا جزء من هذه الأرض، من البيئة؛ لأن كلّ شيء مترابط في النهاية. والخطوة الأولى -على ما أعتقد- إضافةً إلى اتّخاذ قرارات شجاعة وهامّة بشأن استخدام الموارد الطبيعية، وخاصّة بشأن مصادر الطاقة المستقبليّة، هي العمل والسير نحو ثقافة قادرة على مكافحة اللامبالاة. فإحدى الشرور التي تصيبنا تكمن في ثقافة اللامبالاة. ومن الملحّ أن نساعد على الإدراك أنه إذا كان أحد أفراد عائلتنا يعاني، فنحن جميعًا نعاني معه؛ لأننا لن نبلغ الترابط ما لم ننميّ حكمة الانتماء، فهي الوحيدة القادرة على تحمّل المشكلات وإيجاد الحلول بطريقة شاملة. إننا ننتمي إلى بعضنا البعض.

وفي هذا الشأن، أودّ أن أذكر بشكل خاصّ حادث دايتشي النووي في فوكوشيما ونتائجه. بالإضافة إلى الهموم العلميّة أو الطبّية، هناك أيضًا عمل ضخم لاستعادة نسيج المجتمع. فلن ينطوي حادث فوكوشيما بالكامل طالما أن الروابط الاجتماعية في المجتمعات المحلّية لم تُستَرجَع ولا يتمتّع الناس من جديد بحياة آمنة ومستقرّة. وهذا يعني، في الوقت نفسه -كما أشار أخوتي أساقفة اليابان- القلق بشأن إطالة استخدام الطاقة النووية، ولذا فقد طالبوا بإلغاء محطّات الطاقة النووية.

إن عصرنا يميل إلى اتّخاذ التقدّم التكنولوجي كمقياس للتقدّم البشري. وهذا "النموذج التقني" للتقدّم والتنمية يصوغ حياة الناس وسلوك المجتمع، وغالبًا ما يؤدّي إلى اختزال يمسّ كلّ مجالات مجتمعاتنا (را. الرسالة العامة كن مسبّحًّا، 101- 114). لذلك من المهمّ، في مثل هذه الأوقات، أن نستريح قليلًا، أن نتوقّف ونفكّر في مَن نكون وأيضًا، ربما بشكل تقييميّ، في مَن نريد أن نكون. أيّ نوع من العالم، أيّ نوع من الإرث نريد أن نتركه لمن يخلفنا؟ إن حكمة المسنّين وتجربتهم، مع التزام الشبيبة وحماسهم، تستطيع أن تساعد في صياغة رؤية مختلفة، رؤية تساعد على النظر باحترام كبير إلى هبة الحياة والتضامن مع إخوتنا وأخواتنا في العائلة البشريّة المتعدّدة الأعراق والثقافات.

عندما نفكّر في مستقبل بيتنا المشترك، علينا أن ندرك أنه لا يمكننا اتّخاذ قرارات أنانية بحتة وأنه لدينا مسؤولية كبيرة تجاه الأجيال المقبلة. في ذلك الشأن، يُطلب منّا اختيار نمط حياة متواضع وبسيط يستجيب للأمور الملحّة التي علينا مواجهتها. ذكّرنا توشيكو وتوكون وماتسوكي بالحاجة إلى إيجاد سبيلٍ جديد للمستقبل، مسارٍ يعتمد على احترام كلّ شخص والبيئة الطبيعية. في هذا المسار، "باستطاعتنا جميعًا التعاون كأدوات لله من أجل العناية بالخليقة، كلٌّ عبر ثقافته وخبرته الخاصة، وعبر مبادراته وقدراته الخاصة" (نفس المرجع، 14).

أيّها الإخوة الأعزّاء، في هذا العمل المستمرّ من التعافي وإعادة الإعمار بعد الكارثة الثلاثية، يجب أن تتكاتف الكثير من الأيدي وتتّحِد العديد من القلوب كما لو كانت واحدًا. وبهذه الطريقة، ينالُ الدعمَ الذين عانوا فيدركوا أنهم ليسوا منسيّين. وسوف يفهمون أن العديد من الناس، بنشاط وفعالية، يشاركونهم آلامهم ويمدّون باستمرار يدًا شقيقة للمساعدة. نُشيد بجميع الذين حاولوا تخفيف أعباء الضحايا ببساطة، ونشكرهم مجدّدًا. عسى أن تكون هذه الشفقة هي الدرب التي تسمح للجميع بإيجاد الرجاء والاستقرار والأمن من أجل المستقبل.

أشكركم مجدّدًا على حضوركم. من فضلكم صلّوا من أجلي. وليمنح الله لكم جميعًا ولأحبّائكم بركات الحكمة والقوّة والسلام. شكرًا!

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019

  


Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana