Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

الزّيارة الرسوليّة

إلى بودابست في مناسبة القداس الختامي للمؤتمر الإفخارستي الدولي الثاني والخمسين وإلى سلوفاكيا

كلمة قداسة البابا فرنسيس

في اللقاء مع الجماعة اليهوديّة

في ساحة ريبني نامستيِيه (Rybné námestie) في براتيسلافا

الاثنين 13 أيلول/سبتمبر 2021

 

[Multimedia]

_____________________________________

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، مساء الخير!

أشكركم على كلمات الترحيب والشهادات التي قدمتموها. أنا هنا حاجٌّ لألمس هذا المكان ولأتأثّر به. الساحة التي نتواجد فيها هي مهمّة جدًّا لجماعتكم. إنّها تحيي ذكرى الماضي الغني: كانت جزءًا من الحيّ اليهودي لعدّة قرون، وعمل هنا الحاخام المعروف شاتام سوفير. هنا كان يوجد كنيس، بالتحديد في جوار كاتدرائيّة تكليل مريم العذراء ملكة على السماء والأرض. الهندسة المعماريّة، كما قيل، كانت تعبّر عن العيش معًا بسلام بين الجماعتَين، وهي رمز نادر ومثير للذكريات، وعلامة رائعة على الوَحدة باسم إله آبائنا. هنا أشعر بالحاجة أنا أيضًا، مثل الكثيرين منكم، بواجب "أن أخلع نعليَّ"، لأنّني أجد نفسي في مكان مبارك بالأخوّة بين الناس باسم العلي.

لكن لاحقًا، تمّت هنا إهانة اسم الله: في جنون الكراهية، خلال الحرب العالميّة الثانية، قُتل أكثر من مائة ألف يهودي سلوفاكي. ولمّا أرادوا محو آثار الجماعة في وقت لاحق، تمّ هنا هدم الكنيس. كُتِب: "لا تَلفُظِ اسمَ الرَّبِّ إِلهِكَ باطِلاً" (خروج 20، 7). الاسم الإلهي، أي ذات الله، يُلفَظ باطلًا عندما تُنتهك كرامة الإنسان الفريدة والتي لا مثيل لها، والذي خُلق على صورة الله. هنا أهين اسم الله، لأنّ أسوأ تجديف يمكن أن يوجَّه إليه هو أن يتمّ استخدام اسمه لأغراض خاصّة، بدلاً من احترام الآخرين ومحبّتهم. هنا، أمام تاريخ الشعب اليهودي، الموسوم بهذه الإهانة المأساويّة التي لا توصف، نخجل من الاعتراف بها: كم مرّة استُخدم اسم الله العليّ الذي يفوق الوصف لأعمال لا إنسانيّة لا توصف! كم من الظالمين الذين أعلنوا: "الله معنا". وهم لم يكونوا مع الله.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، تاريخكم هو تاريخنا وآلامكم هي آلامنا. بالنسبة للبعض منكم، هذا النُصب التذكاري للمحرقة هو المكان الوحيد حيث يمكنكم فيه تكريم ذكرى أحبّائكم. أنا أيضًا أتّحد معكم. على النصب التذكاري مكتوب بالعبرية “Zachor أي ”تذكّر!“. الذاكرة لا يمكنها ويجب ألّا تفسح المجال للنسيان، لأنّه لن يكون هناك فجر دائم للأخوّة، دون المشاركة أوّلًا في تبديد ظلام الليل. سؤال النّبي يتردّد أيضًا علينا: "يا حارِس، ما الوَقتُ مِنَ اللَّيل؟" (أشعياء 21، 11). هذا هو الوقت لنا الذي ليس من الممكن فيه إخفاء صورة الله التي تتألّق في الإنسان. لنساعد بعضنا بعضًا في هذا. لأنّه حتّى اليوم لا تنقص الأصنام الباطلة والزائفة التي تهين اسم الله العليّ. هي أصنام السّلطة والمال التي تغلب على كرامة الإنسان، والّلامبالاة التي تحوّل النظر إلى الاتّجاه الآخر، والمؤامرات التي تستغلّ الدين، وتجعله مسألة سيطرة أو تجعله أمرًا لا أهميّة له. ومرّة أخرى، نسيان الماضي، والجهل يبرّران كلّ شيء، والغضب والكراهية. إنّي أكرّر: نحن متّحدون في إدانة كلّ أشكال العنف وكلّ أشكال اللاساميّة، وفي التزامنا لضمان عدم تدنيس صورة الله في الإنسان.

لكن هذه الساحة، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، هي أيضًا مكان حيث يضيء فيه نور الأمل. هنا تأتون كلّ عام لتضيئوا أوّل شمعة في شمعدان الحانوكا. وهكذا، في الظلام، تظهر الرّسالة أنّ الكلمة الأخيرة ليست للدّمار والموت، بل للتجديد والحياة. هُدِم الكنيس الذي كان في هذا الموقع، وأمّا الجماعة فما زالت موجودة. إنّها حيّة ومنفتحة على الحوار. هنا تلتقي رواياتنا من جديد. هنا معًا نؤكد أمام الله إرادتنا لمواصلة مسيرة التقارب والصّداقة.

في هذا الصّدد، أحفظ حيّة ذكرى الّلقاء الذي عُقد في روما عام 2017 مع ممثّلي جماعاتكم اليهوديّة والمسيحيّة. يسعدني أنّه تمّ لاحقًا إنشاء لجنة للحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة وأنّكم نشرتم معًا وثائق مهمّة. حسنٌ أن نشارك وأن نوصل ما يوحّدنا. وحسنٌ أن نستمرّ، بصدق وإخلاص، في المسار الأخوي لتنقيَة الذاكرة من أجل مداواة جروح الماضي، وكذلك أن نستمرّ في ذكرى الخير الذي نلناه أو قدّمناه. بحسب التّلمود، من أهلك إنسانًا واحدًا أهلك العالم كلّه، ومن خلّص إنسانًا واحدًا خلّص العالم كلّه. كلّ واحد مهم، ومهمٌّ جدًّا ما تفعلونه من خلال مشاركتكم الثمينة. أشكركم لأنّكم فتحتم الأبواب في الاتجاهَين.

العالم يحتاج إلى أبواب مفتوحة. إنّها علامات بركة للبشريّة. قال الله لأبينا إبراهيم: "يتَبَارَكُ بِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض" (تكوين 12، 3). إنّها لازمة ترافق حياة الآباء (راجع تكوين 18، 18؛ 22، 18؛ 26، 4). وقال الله ليعقوب، أي إسرائيل، "يكونُ نَسلُكَ كَتُرابِ الأَرض، فتَنتَشِرُ غَرْبًا وشَرْقًا وشَمالاً وجَنوبًا، وَيتَبارَكُ بِكَ وبِنَسلِكَ جَميعُ عَشائرِ الأَرض" (تكوين 28، 14). هنا، في هذه الأرض السلوفاكيّة، أرض اللقاء بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، تستمرّ عشيرة بني إسرائيل في تنمية هذه الدعوة، أن تكون علامة بركة لجميع عشائر الأرض. بركة الله العليّ تنزل علينا عندما يرى الله عائلة من الإخوة يحترمون ويحبّون بعضهم بعضًا ويتعاونون. بارككم الله، حتّى تكونوا دائمًا شهودًا للسّلام معًا في وسط الخلافات الكثيرة التي تلوّث عالمنا. شالوم! (سلام!).

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021



Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana