zoomText
  • A
  • A
  • A
pdf
جارٍ إنشاء ملف PDF.....
AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT

رسالة بابويّة

In unitate fidei

في وَحدة الإيمان

للحَبر الأعظم البابا لاوُن الرّابع عشر

في مناسبة ذكرى مرور ألف وسبع مائة سنة على مجمع نيقية الأوّل

____________

1. في وَحدة الإيمان التي أُعلنت منذ نشأة الكنيسة، المسيحيّون مدعوّون إلى أن يسيروا مُتّفقين في ما بينهم، ويحافظوا على العطيّة التي قبلوها وينقلونها إلى الآخرين بمحبّة وفرح. وقد عُبّر عن هذه العطيّة في كلام قانون الإيمان: "نؤمن بيسوع المسيح، ابن الله الوحيد، الذي نزل من السّماء من أجل خلاصنا"، الذي صاغه مجمع نيقية، أوّل حدثٍ مسكونيّ في تاريخ المسيحيّة، قبل ألف وسبعمائة سنة.

بينما أتهيّأ لأقوم بزيارة رسوليّة إلى تركيّا، أودّ بهذه الرّسالة أن أشجّع كلّ الكنيسة على اندفاعٍ متجدّدٍ في إعلان الإيمان، إذ إنّ حقيقته، التي كوّنت منذ قرون التّراث المشترك بين المسيحيّين، تستحقّ أن نعترف ونتعمَّق بها بأسلوب متجدّد دائمًا وحتّى في أيامنا. في هذا الصّدد، تمّت الموافقة على وثيقة غنيّة في مضمونها صادرة عن اللجنة اللاهوتيّة الدّوليّة، بعنوان: ”يسوع المسيح، ابن الله، المخلِّص. ذكرى مرور ألف وسبعمائة سنة على مجمع نيقية الأوّل“. وأُشير إليها، لأنّها تقدّم آفاقًا مفيدة لنتعمّق في أهمّيّة مجمع نيقية وتأثيره اليوم، ليس فقط على الصّعيد اللاهوتيّ والكنسيّ، بل أيضًا على المستويَين الثّقافيّ والاجتماعيّ.

2. "بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ ابنِ الله": هكذا بدأ القدّيس مرقس إنجيله، ولخّص كلّ رسالته في ضوء بنوّة يسوع المسيح الإلهيّة. وبالمثل، كان الرّسول بولس يعلَم أنّه مدعوّ إلى أن يُعلن إنجيل الله في ابنه الذي مات وقام من بين الأموات من أجلنا (راجع رومة 1، 9)، وهي الـ”نَعَم“ النّهائيّة من الله على وعوده للأنبياء (راجع 2 قورنتس 1، 19-20). في يسوع المسيح، الكلمة الذي كان إلهًا قبل كلّ الدّهور، وبه كان كلّ شيء، "صارَ بَشَرًا، فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنّا 1، 14)، كما جاء في مقدّمة إنجيل يوحنّا. في يسوع المسيح صار الله قريبًا منّا، فكلّ شيء نصنعه لكلّ واحد من إخوتنا، فله قد صنعناه (راجع متّى 25، 40).

إذًا، إنّها عناية إلهيّة أن يُصادف في هذه السّنة المقدّسة، المكرّسة لرجائنا الذي هو المسيح، أن نحتفل بذكرى مرور ألف وسبعمائة سنة على مجمع نيقية الأوّل، الذي أَعلنَ في سنة ثلاثمئة وخمسة وعشرين قانون الإيمان بيسوع المسيح ابن الله. هذا هو قلب الإيمان المسيحيّ. وما زلنا إلى اليوم، في الاحتفال الإفخارستيّ يوم الأحد، نتلو قانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ، وهو قانون إيمان يوحّد جميع المسيحيّين. إنّه يمنحنا الرّجاء في الأزمنة الصّعبة التي نعيشها، وسط هموم ومخاوف كثيرة، وتهديدات بالحرب والعنف، وكوارث طبيعيّة، وظُلم شديد وخلل خطير في التّوازن، وجوع وبُؤس يعاني منه الملايين من إخوتنا وأخواتنا.

3. لم تكن أوقات مجمع نيقية أقلّ اضطرابًا. عندما بدأ سنة 325، كانت جراح الاضطهادات ضدّ المسيحيّين لا تزال مفتوحة. وبَدَا مرسوم ميلانو للتّسامح (313)، الصّادر عن الإمبراطورَين قسطنطين ولِيسِينيوس، وكأنّه يُعلن عن فجرِ عصرٍ جديد من السّلام. مع ذلك، بعد التّهديدات الخارجيّة، سرعان ما ظهرت في الكنيسة خلافات وصراعات.

كان آريوس، وهو كاهن من الإسكندريّة في مصر، يُعَلِّم أنّ يسوع ليس ابن الله حقًّا. فمع أنّه ليس مجرّد مخلوق، إلّا أنّه وسيط بين الله، بعيد المنال، وبيننا. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك وقت ”لم يكن“ فيه الابن. كان هذا الفِكر يتماشى مع العقليّة السّائدة في ذلك الوقت، ولذلك بدا معقولًا.

لكنّ الله لا يترك كنيسته، بل يبعث فيها دائمًا رجالًا ونساء شجعانًا، وشهودًا في الإيمان ورعاة يقودون شعبه ويُرشدونه إلى طريق الإنجيل. أدرك الأسقف ألكسندر الإسكندريّ أنّ تَعليم آريوس لا ينسجم إطلاقًا مع الكتاب المقدّس. وبما أنّ آريوس لم يُبدِ استعدادًا للتّصالح، دعا ألكسندر أساقفة مصر وليبيا إلى مجمع، أدان فيه تعليم آريوس، ومن ثمَّ أرسل إلى أساقفة الشّرق الآخرين رسالة مفصّلة ليُعلمهم بالأمر. وفي الغرب، تحرّك الأسقف هوسيوس من قرطبة، في إسبانيا، الذي بيَّن من قَبل أنّه مُعترف متحمّس للإيمان أثناء اضطهاد الإمبراطور مكسيميانوس، وحظي بثقة أسقف روما، البابا سيلفستر.

غير أنّ أتباع آريوس اتّحّدوا أيضًا. وهذا أدّى إلى واحدة من أكبر الأزمات في تاريخ الكنيسة في الألفيّة الأولى. في الواقع، لم يكن سبب الخلاف شأنًا ثانويًّا. بل كان جوهر الإيمان المسيحيّ، أي الجواب عن السّؤال الحاسم الذي طرحه يسوع على التّلاميذ في قيصريّة فيلبّس: "مَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟" (متّى 16، 15).

4. بينما كانت الجدالات تشتدّ، أدرك الإمبراطور قسطنطين أنّ وَحدة الإمبراطوريّة كانت أيضًا مُهدّدة مع وَحدة الكنيسة. لذلك، دعا جميع الأساقفة إلى مجمع مسكونيّ، أي جامع، في نيقية، لاستعادة الوَحدة. عُقِد المجمع، الذي عُرف باسم ”مجمع الآباء الثّلاثمائة وثمانية عشر“، برئاسة الإمبراطور: وكان عدد الأساقفة المجتمعين غير مسبوق. كان بعضهم لا يزال يحمل آثار التّعذيب الذي تعرّضوا له أثناء الاضطهاد. جاءت الأغلبيّة السّاحقة منهم من الشّرق، بينما يبدو أنّ خمسة فقط منهم كانوا من الغرب. اعتمد البابا سيلفستر نائبًا له الأسقف هوسيوس من قرطبة، وهو شخصيّة ذات سُلطة لاهوتيّة، وأرسل معه كاهنَين من روما.

5. شَهِدَ آباء المجمع على أمانتهم للكتاب المقدّس والتّقليد الرّسولي، كما أعلنوه في المعموديّة بحسب وصيّة يسوع: "اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحِ القُدُس" (متّى 28، 19). في الغرب، كانت هناك صِيَغ متعدّدة، من بينها ما سُمّي بقانون إيمان الرّسل. [1] وفي الشّرق أيضًا، كانت هناك اعلانات إيمان عماديّة، متشابهة في بنيتها من حيث الهيكليّة. لم ترد بلغة فلسفية معقّدة، بل بلغة بسيطة مفهومة لصيّادي بحر الجليل، كما قيل في ما بعد.

على هذا الأساس، يبدأ قانون الإيمان النّيقاويّ: "نؤمن بإله واحد، آبٍ ضابط الكلّ، خالق كلّ ما يُرى وما لا يُرى" [2]. بهذا عبّر آباء المجمع عن الإيمان بإله واحد ووحيد. لم تكن هناك أيّة خلافات حول هذا الموضوع في المجمع. أمّا البند الثّاني، الذي يستخدم هو أيضًا لغة الكتاب المقدّس لإعلان الإيمان "بربٍّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله"، فقد كان موضع نقاش. نشأ النّقاش من الحاجة إلى الإجابة على السّؤال الذي طرحه آريوس في كيف يجب أن نفهم عبارة ”ابن الله“ وكيف يمكننا التّوفيق بينها وبين ”التّوحيد“ في الكتاب المقدّس. لذلك، طُلب من المجمع أن يُحدّد المعنى الصّحيح للإيمان بيسوع بصفة كونه ”ابن الله“.

اعترف الآباء أنّ يسوع هو ابن الله لأنّه "من جوهر (οὐσία) الآب [...] مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر (ὁμοούσιος)". بهذا التّعريف، رُفضت عقيدة آريوس رفضًا جذريًّا. [3] وللتّعبير عن حقيقة الإيمان، استخدم المجمع كلمتَي ”جوهر“ (οὐσία) و ”مساوٍ في الجوهر“ (ὁμοούσιος)، اللتَين لا نجدهما في الكتاب المقدّس. لم يُرد المجمع أن يستبدل تعابير الكتاب المقدّس بالفلسفة اليونانيّة. بل العكس، استخدم المجمع هذه المصطلحات  ليؤكّد بوضوح على الإيمان بالكتاب المقدّس وتمييزه عن خطأ آريوس المتأثّر بالفكر الهيلّيني. لذلك، فإنّ تُهمة التأثّر بالفكر الهيلّيني لا تَنطبق على آباء مجمع نيقية، بل على عقيدة آريوس وأتباعه الباطلة.

من ناحية إيجابيّة، أراد آباء مجمع نيقية بشدّة أن يبقوا مُخلِصين ”للتوحيد“ في الكتاب المقدّس ولحقيقة التّجسّد. أرادوا أن يؤكّدوا أنّ الإله الواحد الحقّ ليس بعيد المنال عنّا، بل العكس، اقترب منّا وجاء للقائنا في يسوع المسيح.

6. اعتمد المجمع بعض صيغ الاعتراف بالمعموديّة، ليعبّر عن رسالته بلغة الكتاب المقدّس البسيطة والليتورجيّا المألوفة لكلّ شعب الله: "إِلهٌ مِن إِلهٍ، نورٌ مِن نورٍ، إِلهٌ حَقٌّ مِن إِلهٍ حَقّ". واستخدم المجمع أيضًا رمز وصورة النّور في الكتاب المقدّس: "اللهَ نورٌ" (1 يوحنّا 1، 5؛ راجع يوحنّا 1، 4-5). مثل النّور الذي يشعّ وينتقل دون أن يَنقطع، كذلك الابن هو شُعاع (ἀπαύγασμα) مجد الله وصورة (χαρακτὴρ) جوهره (ὑποστάσεως) (راجع عبرانيّين 1، 3؛ 2 قورنتس 4، 4). لذلك، إنّ الابن المتجسّد، يسوع، هو نور العالم والحياة (راجع يوحنّا 8، 12). بالمعموديّة، ينير بصائر قلوبنا (راجع أفسس 1، 18)، لكي نصير نحن أيضًا نورًا للعالم (راجع متّى 5، 14).

أخيرًا، يؤكّد قانون الإيمان أنّ الابن هو "إِلهٌ حَقٌّ مِن إِلهٍ حَقّ". في مواضع كثيرة، يميّز الكتاب المقدّس بين الأوثان الميّتة والإله الحيّ الحقيقيّ. الإله الحقّ هو الإله الذي يتكلّم ويعمل في تاريخ الخلاص: إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، الذي ظهر لموسى في العلّيقة المُشتعلة (راجع سفر الخروج 3، 14)، والإله الذي يرى بؤس شعبه، ويُصغي إلى صراخه، ويقوده ويرافقه في البرّيّة مع عامود النّار (راجع سفر الخروج 13، 21)، ويُكلّمه بصوت الرّعد (راجع سفر تثنية الاشتراع 5، 26)، ويرأف به (راجع سفر هوشع 11، 8-9). لذلك، المسيحيّ مدعوّ إلى أن يتوب عن الأوثان الميّتة ويعود إلى الإله الحيّ الحقيقيّ (راجع أعمال الرّسل 12، 25؛ 1 تسالونيقي 1، 9). بهذا المعنى، اعترف سمعان بطرس في قيصريّة فيلبّس، قال: "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متّى 16، 16).

7. لم يَصُغ قانون الإيمان النّيقاويّ نظريّة فلسفيّة. بل أقرّ الإيمان بإله افتدانا بيسوع المسيح. إنّه الإله الحيّ: وهو يريد لنا الحياة وأن تكون لنا وافرة (راجع يوحنّا 10، 10). لذلك يتابع قانون الإيمان بكلام الاعتراف في المعموديّة: ابن الله الذي ”من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل وتجسّد وصار بشرًا، ومات، وقام من بين الأموات في اليوم الثّالث، وصعد إلى السّماء، وسيأتي ليدين الأحياء والأموات“. ذلك يُوضح أنّ تعابير الإيمان الكريستولوجيّ للمجمع مدمجة في تاريخ الخلاص بين الله وخليقته.

القدّيس أثناسيوس، الذي شارك في المجمع كشماس للأسقف ألكسندر وخلفه على كرسيّ الإسكندريّة، أكّد أكثر من مرّة وبقوّة شديدة على البُعد الخلاصيّ لقانون الإيمان النّيقاويّ. في الواقع، كتب أنّ الابن الذي نزل من السّماء: "جعلنا أبناءً للآب، وصار هو نفسه إنسانًا، ليصير الإنسان إلهًا. لم يَصِرْ إلهًا وهو إنسان، بل صار إنسانًا وهو إله ليصير الإنسان إلهًا" [4]. ولا يمكن أن يتحقّق هذا إلّا إن كان الابن حقًّا إلهًا. فلا أحد من البشر الفانين قادر عمليًّا على أن يهزم الموت ويخلّصنا، بل وحده الله قادر على ذلك. هو الذي حرّرنا في ابنه الذي صار إنسانًا لكي نكون أحرارًا (راجع غلاطية 5، 1).

الفعل ”نزل“ (descendit) في قانون الإيمان النّيقاويّ يستحقّ التّركيز عليه. وَصف القّديس بولس هذه الحركة بتعابير قويّة: "[المسيح] تَجَرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد، وصارَ على مِثالِ البَشَر" (فليبي 2، 7). كذلك كما كُتِبَ في مقدّمة إنجيل القدّيس يوحنّا: "الكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا، فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنّا 1، 14). لذلك، تعلّمنا الرّسالة إلى العبرانيّين: "لَيسَ لَنا عَظيمُ كَهَنَةٍ لا يَستَطيعُ أَن يَرثِيَ لِضُعفِنا: لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة" (عبرانيّين 4، 15). في الليلة التي سبقت موته، انحنى مثل العبد وغسل أرجل تلاميذه (راجع يوحنّا 13، 1-17). وتوما الرّسول، عندما وضع إصبعه في جُرحِ جَنبِ الرّبّ القائم من بين الأموات، اعترف فقط وقال: "رَبِّي وإِلهي!" (يوحنّا 20، 28).

بفضل التّجسّد، نلتقي الرّبّ يسوع في إخوتنا وأخواتنا المحتاجين: "كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوَتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه" (متّى 25، 40). إذًا، قانون الإيمان النّيقاويّ لا يكلّمنا عن الله بعيد المنال والجامد والسّاكن في ذاته، بل عن الله القريب منّا، والذي يرافقنا في مسيرتنا على طرق العالم وفي الأماكن الأكثر ظُلمة في الأرض. تظهر عظمته في تواضعه، ويتجرّد من جلاله اللامتناهيّ ويصير قريبًا منّا في الصّغار والفقراء. هذا الأمر يقلب المفاهيم الوثنيّة والفلسفيّة عن الله.

تتّخذ كلمة أخرى في قانون الإيمان النّيقاويّ دلالة خاصّة اليوم. هي عبارة الكتاب المقدّس "صار جسدًا"، التي تمّ توضيحها بإضافة كلمة "تأنَّس" بعد كلمة "تَجَسَّد". وهكذا نأى مجمع نيقية بنفسه عن العقيدة الخاطئة التي تزعم أنّ الكلمة اتّخذ جسدًا فقط كغطاءٍ خارجيّ، بدون النَّفس البشريّة، التي تتحلّى بالعقل والإرادة الحرّة. بل العكس، يريد أن يؤكّد ما أعلنه صراحة مجمع خلقيدونية (451): في المسيح، اتّخذ الله كلّ الإنسان، جسدًا ونفسًا، وفداه كلّه. شَرَحَ القدّيس أثناسيوس أنّ ابن الله تأنّس لنتألّه نحن البشر. [5] وقد سبق القدّيس إيريناوس من ليون وأوريجانوس أن مهّدا لهذا الفهم المُنير للوحي الإلهيّ، وتطوّر لاحقًا بغنى كبير في الرّوحانيّة الشّرقيّة.

ليس للتألُّه علاقة بتأليه الإنسان لنفسه. بل العكس، يحمينا التألُّه من التّجربة الأولى وهي أن نريد أن نكون مثل الله (راجع سفر التّكوين 3، 5). ما هو عليه المسيح بالطّبيعة، نصير نحن عليه بالنّعمة. وبعمل الفداء لم يَستَعِد الله فقط كرامتنا الإنسانيّة، بل الذي خلقنا بطريقة عجيبة، جعلنا شُركاء، بطريقة أكثر جمالًا، في طبيعته الإلهيّة (راجع 2 بطرس 1، 4).

إذًا، التألُّه هو الأنسنة الحقيقيّة. لذلك تسعى حياة الإنسان إلى ما بعد ذاتها، وتبحث عمّا بعد ذاتها، وترغب في ما بعد ذاتها، ويدفعها القلق إلى أن تستريح في الله: [6] (Deus enim solus satiat)، الله وحده يُشبع الإنسان! [7] الله وحده، اللامتناهي، يمكنه أن يُرضي رغبة قلب الإنسان غير المحدودة، ولذلك أراد ابن الله أن يصير أخًا لنا وفادينا.

8. قُلنَا إنّ مجمع نيقية رفض تعاليم آريوس رفضًا قاطعًا. غير أنّ آريوس وأتباعه لم يستسلموا. وازداد انحياز الإمبراطور قسطنطين نفسه وخلفائه إلى الأريوسيّين. وصار مصطلح (ὁμοούσιος) سبب نزاع بين النّيقاويّين ومن خالفهم، ممّا أثار صراعات خطيرة. ووصف القدّيس باسيليوس القيصريّ الاضطراب الذي حصل بصور معبّرة، فشبّهه بمعركة بحريّة ليليّة في عاصفة عاتية، [8] بينما شهد القدّيس هيلاريوس على إيمان العلمانيّين المُستقيم مقارنة بأريوسيّة الكثير من الأساقفة، واعترف بأنّ "آذان الشّعب أقدس من قلوب الكهنة" [9].

كان القدّيس أثناسيوس صخرة قانون الإيمان النّيقاويّ، ثابتًا وراسخًا في الإيمان. على الرّغم من عزله وطرده خمس مرّات من كرسيّ الإسكندريّة الأسقفيّ، كان يرجع كلّ مرّة إليها أسقفًا. استمرّ، من منفاه، في قيادة شعب الله بكتاباته ورسائله. ومثل موسى، لم يستطع أثناسيوس أن يدخل أرض الميعاد، أرض السّلام الكنسيّ. كانت هذه النّعمة مُخصّصة لجيلٍ جديد، عُرف باسم ”النّيقاويّين الشّباب“: في الشّرق، آباء قبدوقية الثّلاثة: القدّيس باسيليوس من قيصريّة (نحو 330-379)، الذي أُعطي له لَقب ”الكبير“، وأخوه القدّيس غريغوريوس النّيصيّ (335-394)، وصديق باسيليوس الحميم القدّيس غريغوريوس النّزينزيّ (329/330-390). وفي الغرب، كان للقدّيس هيلاريوس أسقف بواتييه (نحو 315-367)، ولتلميذه القدّيس مارتن أسقف تور (نحو 316-397) مكانة مهمّة. وكذلك تألّق بصورة خاصّة القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو (333-397) والقدّيس أغسطينس أسقف عنّابة (354-430).

كان فضل آباء قبدوقية الثّلاثة، بصورة خاصّة، هو أنّهم أتمّوا صياغة قانون الإيمان النّيقاويّ، فبيَّنوا أنّ التّوحيد والتّثليث في الله ليسا متناقضين إطلاقًا. في هذا السّياق، صِيغَ بند الإيمان بالرّوح القدس في مجمع القسطنطينيّة الأوّل سنة 381. وهكذا فإنّ قانون الإيمان، الذي سُمِّيَ منذئذ بقانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ، أصبح ينصّ على ما يلي: "نؤمن بالرُّوحِ القُدُسِ، الرَّبِّ المُحْيي، المُنبَثِقِ مِنَ الآبِ. الَّذي مَعَ الآبِ والابنِ يُسجَدُ لَهُ ويُمَجَّد، النَّاطِقِ بالأَنبياء" [10].

منذ مجمع خلقيدونية سنة 451، تمّ الاعتراف بمجمع القسطنطينيّة مجمعًا مسكونيًّا، وأُعلن قانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ ملزمًا وجامعًا. [11] فكوَّن بذلك رباط وَحدة بين الشّرق والغرب. في القرن السّادس عشر حافظت عليه الجماعات الكنسيّة التي نشأت عن الإصلاح الدّينيّ. وهكذا، صار قانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ الاعتراف المشترك بالإيمان لكافّة التّقاليد المسيحيّة.

9. المسيرة من الكتاب المقدّس إلى قانون الإيمان النّيقاويّ، ثمّ إلى قبوله في مجمع القسطنطينيّة وخلقيدونية، ووصولًا إلى القرن السّادس عشر وحتّى القرن الحادي والعشرين، كانت مسيرة طويلة ومُباشرة. نحن جميعًا تلاميذ ليسوع المسيح، مُعمَّدون "بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحِ القُدُس"، ونرسم على أنفسنا علامة الصّليب، فنتبارَك. نختم دائمًا صلاة المزامير في ليتورجيّا السّاعات بقولنا "المَجْدُ لِلآبِ وَالابْنِ وَالرُّوحِ القُدُس". إذًا، الليتورجيّا والحياة المسيحيّة راسختان بقوّة في قانون الإيمان النّيقاويّ-القسطنطينيّ: فما نقوله بشفاهنا، يجب أن ينبع من قلبنا، لكي نشهد به في حياتنا. لذلك يجب أن نتساءل: ما الذي آل إليه قبولنا الدّاخلي لقانون الإيمان اليوم؟ هل نشعر بأنّه يهُمّ أيضًا وضعنا اليوم؟ وهل نفهم ونعيش ما نقوله كلّ يوم أحد، وما معنى ما نقوله بالنّسبة لحياتنا؟

10. يبدأ قانون الإيمان النّيقاويّ بالاعتراف بالإيمان بالله، الضّابط الكلّ، خالق السّماء والأرض. اليوم بالنّسبة للكثيرين، يكاد لا يكون لله ولمسألة الله أيّ معنى في حياتهم. أشار المجمع الفاتيكانيّ الثّاني إلى أنّ المسيحيّين مسؤولون جزئيًّا عن ذلك، لأنّهم لا يشهدون على الإيمان الحقيقيّ، ويُخفون وجه الله الحقيقيّ بأنماطِ حياة وأعمالٍ بعيدة عن الإنجيل. [12] فقد شُنّت حروب، ووقعت أعمال قَتل واضطهاد وتمييز باسم الله. وبدل أن يُعلنوا عن إلهٍ رحيم، تكلّموا على إلهٍ مُنتقم يُثير الرّعب ويُعاقِب.

لذلك، قانون الإيمان النّيقاويّ يدعونا إلى أن نفحص ضميرنا. ماذا يعني الله بالنّسبة لي، وكيف أشهد على إيماني فيه؟ هل الإله الواحد والوحيد هو حقًّا ربّ الحياة، أمّ أنّ هناك أوثانًا أهمّ من الله ومن وصاياه؟ هل الله بالنّسبة لِي هو الإله الحيّ، والقريب في كلّ الظّروف، والآب الذي ألجأ إليه بثقة بنويّة؟ هل هو الخالق الذي أدين له بكلّ ما أنا عليه وما هو لِي، والذي أجد آثاره في كلّ خليقة؟ هل أنا مستعدّ لأشارك خيرات الأرض، التي هي للجميع، بشكل عادل ومُنصف؟ كيف أتعامل مع الخليقة التي هي من صُنع يديه؟ هل أستخدمها باحترام وشُكر، أم أستغلّها وأدمّرها، بدلًا من أن أحرسها وأنمّيها كبيت مشترك للبشريّة؟ [13]

11. في قلب قانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ تكمن عقيدة الإيمان بيسوع المسيح، ربّنا وإلهنا. هذا هو جوهر حياتنا المسيحيّة. لذلك لنلتزم ونتبع يسوع معلّمًا ورفيقًا وأخًا وصديقًا. يطلب قانون الإيمان النّيقاويّ منّا أكثر من ذلك: فهو في الواقع يذكّرنا بألّا ننسى أنّ يسوع المسيح هو الرّبّ (Κύριος)، ابن الله الحيّ، الذي "مِن أَجلِ خَلاصِنا نزَلَ مِنَ السَّماءِ"، ومات "مِن أَجلِنا" على الصّليب، وفتح لنا طريق الحياة الجديدة بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السّماء.

بالتّأكيد، اتّباع يسوع المسيح ليس طريقًا واسعًا ومُريحًا، لكن هذا الطّريق، الذي يكون مرارًا صعبًا أو حتّى مؤلمًا، يقود دائمًا إلى الحياة والخلاص (راجع متّى 7، 13-14). يتكلّم سفر أعمال الرّسل عن الطّريق الجديد (راجع أعمال الرّسل 19، 9. 23؛ 22، 4. 14-15. 22)، الذي هو يسوع المسيح (راجع يوحنّا 14، 6): إنّ اتّباع الرّبّ يسوع يُلزمنا أن نسير على طريق الصّليب، الذي يقودنا، من خلال التّوبة، إلى التّقديس والتألُّه. [14]

إن كان الله يحبّنا بكلّ كيانه، فيجب علينا نحن أيضًا أن نحبّ بعضنا بعضًا. لا يمكننا أن نحبّ الله الذي لا نراه، بدون أن نحبّ أيضًا الأخ والأخت اللذين نراهما (راجع 1 يوحنّا 4، 20). محبّة الله بدون محبّة القريب رياء، ومحبّة القريب الصّعبة، ولا سيّما محبّة الأعداء بدون محبّة الله، بطولةٌ تتفوّق علينا وتقهرنا. في اتّباعنا يسوع، يمرّ صعودنا إلى الله بنزولنا وتفانينا لإخوتنا وأخواتنا، وخاصّة الأخيرين، والأشدّ فقرًا، والمتروكين والمُهمّشين. فكلّ ما صنعناه لأحد هؤلاء الصّغار، نصنعه للمسيح (راجع متّى 25، 31-46). أمام الكوارث والحروب والبؤس، يمكننا أن نشهد لرحمة الله للذين يشكّون فيه، فقط عندما يختبرون رحمته من خلالنا. [15]

12. أخيرًا، مجمع نيقية له ضرورة اليوم بسبب قيمته المسكونيّة العالية جدًّا. في هذا الصّدد، كان تحقيق الوَحدة لجميع المسيحيّين أحد الأهداف الرّئيسيّة للمجمع الأخير، المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. [16] قبل ثلاثين سنة بالضّبط، تابع القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني الرّسالة المجمعيّة وعزّزها في الرّسالة البابويّة العامّة ”ليكونوا واحدًا- Ut unum sint“ (25 أيّار/مايو 1995). وهكذا، ومع ذكرى مجمع نيقية الأوّل الكبيرة، نحتفل أيضًا بذكرى هذه الرّسالة البابويّة الأولى على الصّعيد المسكونيّ. يمكننا أن نعتبرها بيانًا جَدَّدَ الأُسُس المسكونيّة نفسها التي وضعها مجمع نيقية.

حقّقت الحركة المسكونيّة، بقوّة الله، إنجازات كثيرة في السّتّين سنة الماضية. على الرّغم من أنّنا لم نَنعَم بعد بالوَحدة الكاملة المنظورة مع الكنائس الأرثوذكسيّة والكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة، ومع الجماعات الكنسيّة التي نشأت عن الإصلاح الدّينيّ، إلّا أنّ الحوار المسكونيّ، على أساس المعموديّة الواحدة وقانون الإيمان النّيقاويّ–القسطنطينيّ، قادنا إلى أن نرى في إخوتنا وأخواتنا من الكنائس الأخرى والجماعات الكنسيّة إخوة وأخوات لنا في يسوع المسيح، وأن نكتشف جماعة تلاميذ المسيح الوحيدة والجامعة في كلّ العالم. في الواقع، نحن نتشارك في الإيمان بالإله الواحد، أبي جميع البشر، ونعترف معًا بالرّبّ الواحد، ابن الله الحقّ يسوع المسيح، وبالرّوح القدس الواحد، الذي يُلهمنا ويدفعنا إلى الوَحدة والشّركة الكاملة وإلى الشّهادة المشتركة للإنجيل. إنّ ما يوحّدنا هو حقًّا أكثر بكثير ممّا يفرّقنا! [17] وهكذا، في عالمٍ مُنقسم وممزّق بالصّراعات، يمكن للجماعة المسيحيّة الواحدة والجامعة أن تكون علامة سلام وأداة مصالحة، فتسهم مساهمة حاسمة في التزامٍ عالميّ من أجل السّلام. ذكّرنا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، بشكلٍ خاصّ، بشهادة الشّهداء المسيحيّين الكثيرين المنتمين إلى جميع الكنائس والجماعات الكنسيّة: لتوحّدنا ذكراهم وتحفّزنا على أن نكون شهودًا وصانعي سلام في العالم.

لكي نقوم بهذه الخدمة بشكلٍ صادق، يجب علينا أن نسير معًا لنحقّق الوَحدة والشّركة والمصالحة بين جميع المسيحيّين. يمكن لقانون الإيمان النّيقاويّ أن يكون أساسًا ومرجعًا لهذه المسيرة. فهو في الواقع يقدّم لنا نموذجًا لوَحدة حقيقيّة في التّنوّع المشروع. الوَحدة في الثّالوث، والثّالوث في الوَحدة، لأنّ الوَحدة بدون تعدّديّة استبداد، والتّعدّديّة بدون الوَحدة تفكّك. الدّيناميكيّة الثّالوثيّة ليست ثُنائيّة، مثل الاستبعاد ”إمّا هذا أو ذاك“، بل هي رباط مُلزم ”هذا وذاك“: الرّوح القدس هو رباط الوَحدة الذي نسجد له مع الآب والابن. لذلك، يجب أن نترك وراءنا الجدالات اللاهوتيّة التي فقدت مبرّر وجودها، لنكتسب فكرًا مشتركًا، لا بل أكثر من ذلك، صلاة مشتركة للرّوح القدس، لكي يجمعنا كلّنا معًا في إيمان واحد ومحبّة واحدة.

هذا لا يعني مسكونيّة تسعى إلى العودة إلى ما قبل الانقسامات، ولا الاعتراف المتبادل بالوضع الرّاهن لتنوّع الكنائس والجماعات الكنسيّة، بل مسكونيّة تتّجه إلى المستقبل، وتقوم على المصالحة عبر طريق الحوار، وتبادل عطايانا وإرثنا الرّوحيّ. استعادة الوَحدة بين المسيحيّين لا تجعلنا أشدّ فقرًا، بل تُغنينا. وكما في نيقية، لن يتحقّق هذا الهدف إلّا بمسيرة صبورة وطويلة وصعبة أحيانًا، من الإصغاء والقبول المتبادل. إنّه تحدٍّ لاهوتيّ، وأكثر من ذلك، هو تحدٍّ روحيّ، يتطلّب من الجميع التّوبة والتغيُّر. لهذا، نحن بحاجة إلى مسكونيّة روحيّة قوامها الصّلاة والتّسبيح والعبادة، كما حدث في قانون الإيمان النّيقاويّ-القسطنطينيّ.

إذًا، لنبتهل إلى الرّوح القدس حتّى يرافقنا ويقودنا في هذا العمل.

يا روح الله القدّوس، أنت تقود المؤمنين في مسيرة التّاريخ.

نشكرك لأنّك ألهمتنا علامات الإيمان ولأنّك تضع في قلوبنا فرح الاعتراف بخلاصنا في يسوع المسيح، ابن الله، المساوي للآب في الجوهر. فبدونه لا نستطيع شيئًا.

أنت، روح الله الأزليّ، تجدّد إيمان الكنيسة من حقبة إلى حقبة. ساعدنا كي نتعمّق فيه ونرجع دائمًا إلى الجوهر لنعلنه.

لكي لا تكون شهادتنا ناقصة في العالم، تعال، أيّها الرّوح القدس، بنار نعمتك، وأحيِ إيماننا من جديد، وأشعل فينا الرّجاء، وأضرم فينا المحبّة.

تعال، أيّها المعزّي الإلهيّ، أنت الانسجام التّام، لتوحّد قلوب المؤمنين وعقولهم. تعالَ وأعطنا أن نتذوّق جمال الوَحدة.

تعالَ، يا محبّة الآب والابن، لتجمعنا في قطيع المسيح الواحد.

أرشدنا إلى الطُّرق التي يجب أن نسلكها، حتّى نرجع بحكمتك لنكون ما نحن عليه في المسيح: لنكون واحدًا، فيؤمن العالم. آمين.

من الفاتيكان، يوم 23 تشرين الثّاني/نوفمبر 2025، في عيد يسوع الملك.

لاوُن الرَّابع عشر

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025

_______________

[1] Cfr L.H. Westra, The Apostles' Creed. Origin, History and Some Early Commentaries, Turnhout 2002 (= Instrumenta patristica et mediaevalia, 43).

[2] Concilium Nicaenum I, Expositio fidei: CC COGD 1, Turnhout 2006, 19 6-8.

[3] Cfr Cathanasius Alexandrinus, Contra arianos, I, 9, 2 (ed. Metzler, Athanasius Werke, I/1, 2, Berlin - New York 1998, 117-118).

[4] Athanasius Alexandrinus, Contra arianos, I, 38, 7 - 39, 1: ed. Metzler, Athanasius Werke, I/1,2, 148-149.

[5] Cfr s. Athanasius Alexandrinus, De incarnatione Verbi, 54, 3: SCh 199, Paris 2000, 458; id., Contra arianos, I, 39; 42; 45; II, 59ss.: ed. Metzler, Athanasius Werke, I/1,2, 149; 152, 154-155 e 235ss.

[6] Cfr s. Augustinus, Confessiones, I, 1: CCSL 27, Turnhout 1981, 1.

[7] S. Thomas Aquinas, In Symbolum Apostolorum, art. 12: ed. Spiazzi, Thomae Aquinatis, Opuscula theologica, II, Taurini - Romae 1954, 217.

[8] Cfr s. Basilius Caesariensis, De Spiritu Sancto, 30, 76: SCh 17bis, Paris 2002 2, 520-522.

[9] S. Ilario, Contra Arianos, vel Auxentium, 6: PL 10, 613.

[10] Concilium Constantinopolitanum I, Expositio fidei: CC, Conc. Oec. Gen. Decr. 1, 57 20-24.

[11] Cfr Concilium Chalcedonense, Definitio fidei: CC, Conc. Oec. Gen. Decr. 1, 137 393-138 411.

[12] Cfr Conc. Ecum. Vat. II, Cost. past. Gaudium et spes, 19 : AAS 58 (1966), 1039.

[13] Cfr Francesco, Lett. enc. Laudato si’ (24 maggio 2015), 67; 78; 124: AAS 107 (2015), 873-874; 878; 897.

[14] Cfr Id., Esort. ap. Gaudete et exsultate (19 marzo 2018), 92: AAS 110 (2018), 1136.

[15] Cfr Id., Lett. enc. Fratelli tutti (3 ottobre 2020), 67; 254: AAS 112 (2020), 992-993; 1059.

[16] Cfr Conc. Ecum. Vat. II, Decr. Unitatis redintegratio, 1: AAS 57 (1965), 90-91.

[17] Cfr S. Giovanni Paolo II, Lett. enc. Ut unum sint (25 maggio 1995), 20: AAS 87 (1995), 933.